طائر اسمه الشعر بقلم: وليد علاء الدين

  • 11/16/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مهرجان طنطا الدولي للشعر نجح في تهيئة الأجواء اللازمة لاختبارها مع هذا الطائر عابر اللغات والثقافات، الذي نسميه الشّعر. العربوليد علاء الدين [نُشرفي2016/11/16، العدد: 10457، ص(14)] في جلسة قراءة مفتوحة ضمن برنامج مهرجان طنطا الدولي للشعر في مصر، اكتظت القاعة بمزيج من البشر لا أظن -سوى الشعر- قادرًا على جمعهم، على ما بينهم من اختلافات في الأعمار والمرجعيات الفكرية. كان الجميع مبتهجًا ومتحمسًا لأن يُسمِعَ ويَسمع، طالت بنا الجلسة من دون أن نفقد أحدًا بدافع من ملل أو تعب، بل كان عدد الحضور في ازدياد. ضمت جلستنا شاعرًة وشاعرًا أجنبيين، لا يعرفان من العربية سوى اسمها، أنجلينا بونج من ماليزيا، وجابور جيوكيكس من المجر. وفقًا لتقاليد المهرجان، يشارك الشعراء الأجانب بقراءات تتلوها ترجمات عربية لقصائدهم ضمن برامج معدّة سلفًا، ولم يكن أيّ من الشاعرين مُدرجًا في هذه الأمسية، معنى ذلك أنهما جاءا بدوافع أكثر عمقًا من مجرد الالتزام ببرنامج المهرجان، وهو الأمر الذي حرّك فضولي لمناقشة هذه الفكرة معهما. استأذنت مدير الجلسة وأجريت حوارًا مع الضيفين استهللته بالسؤال التالي: لاحظتُ أنك ظللت حريصًا لأكثر من ساعة ونصف الساعة على الاستماع بإنصات شديد لقصائد باللغة العربية، ومعلوماتي أنك لا تعرف هذه اللغة، عندي فضول لمعرفة طبيعة المشاعر والأفكار التي تدور بداخلك الآن؟ تحمس الشاعر المجري جابور جيوكيكس للسؤال وكأنه كان يتمنّى أن يتحدث في الأمر، قال إنه مستمتع بقراءة الشخصيات وملاحظة كيف تختلف الواحدة عن الأخرى، ومدى مناسبة شخصية الشاعر لشخصية قصيدته، وتطبيقًا لذلك قام بتصنيف عدد من الشعراء الذين استمع إليهم معنا، فهذا “شاعر خجول، وطاقة قصيدته أكبر من طاقته الشخصية”، وهذا “شاعر متحفظ، قصيدته معنية بالإيقاع، كان يُصوِّت القوافي بتعمد واضح”، هذه الشاعرة “لم تقرأ قصيدة عربية تقليدية، وأظنها قرأت لهجة محلية”، وأضاف بعد أن ترنم بإيقاع قصيدتها “إنّ لها إيقاعًا يشبه أغنيات فلكلورية تعرفها بعض ثقافات أوروبا”، أما هذا الشاعر فقد “قرأ قصيدة بلهجة مختلفة أيضًا أظنها ساخرة كما بدا لي”، وأخيرًا “هذا الرجل قرأ ‘قصيدة تقليدية’ بها حديث عن الحب والعاطفة”. في الواقع كانت كل ملاحظات جيوكيكس في محلّها، لقد نجح في إقامة علاقة شديدة الحساسية مع النصوص، ولمس، أو سمح لها أن تلمس روحه فالتقط من روحها الكثير. ثم جاء دوره ليسأل، فسألني عن معاني كلمات لاحظ كثرة تكرارها في القصائد، نطق الكلمات بشكل مثير للشغف، كان يستحضرها مباشرة من ذاكرته، فهو لا يستخدم الورقة والقلم، ولا حتى الكاميرا، كما أوضح لاحقًا. من المفردات التي سأل عنها: الدم، والفراغ، ووحدي، وما زلت آسفًا على عدم سؤالي له عن سر تلك الابتسامة المحيرة التي علت وجهه عندما ترجمت له معاني تلك المفردات. في مقابل هذا الإسهاب المجري، جاء رد الشاعرة الماليزية مكثفًا وموسومًا بالخجل، قالت إن تعاملها مع القصائد يشبه تعاملها مع الفن التشكيلي، فهي تدرك أن القصيدة حزينة أو فرحة أو حالمة أو غاضبة، وإن كانت لا تعرف بالتحديد ما المفردات التي تقول ذلك، تمامًا كما يحدث مع اللوحات التي لا تستطيع أن تقول ماذا فيها بالتحديد أثار فيك هذا الشعور. كنت أستمع لكلا الشاعرين وذهني معلق بحالة سماع صوفي حضرتها في مدينة قونية بتركيا، كان الحضور من أشتات الأرض، تجمعنا حالة من الاندماج مع الغناء الفارسي والموسيقى التي تسمح للروح بالانطلاق من أسرها لتهيم ملتقطة نبض الكلمات والأنغام وكأننا جميعًا نفهم ما يقال. هذه التجربة المثيرة لفضول كل شاعر، الجديرة باهتمام كل مبدع، نجح مهرجان طنطا الدولي للشعر في تهيئة الأجواء اللازمة لاختبارها مع هذا الطائر عابر اللغات والثقافات، الذي نسميه الشّعر. شاعر من مصر مقيم في الإمارات وليد علاء الدين :: مقالات أخرى لـ وليد علاء الدين طائر اسمه الشعر, 2016/11/16 الاستكتاب الإبداعي, 2016/10/30 توفيق الحكيم وزهرة العمر, 2016/10/23 أزمة لغة أم أزمة عصر أم أزمة تفكير, 2016/10/16 الشجرة قبل الثمرة, 2016/09/25 أرشيف الكاتب

مشاركة :