صوت الفكر العاقل بقلم: وليد علاء الدين

  • 12/14/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رحل العظم، ولكن بقيت كتاباته بين أيدينا، علينا أن نعيد النظر فيها لنستخلص منها كذلك ما يصب في تحرير العقل العربي من أسر معتقدات وخرافات أراد لها البعض أن تتزيا بزي الدين. العربوليد علاء الدين [نُشرفي2016/12/14، العدد: 10485، ص(14)] بغياب صادق جلال العظم، يغيب أحد أبرز أصوات الفكر العلماني العربي العاقل، الذي لا يرفض لمجرد الرفض، ولا يروج لكراهية الآخر لمجرد الاختلاف معه. ويدعو إلى فتح النماذج المغلقة، لا كسرها، بهدف الفرز والتفكير في التفاصيل، ومراجعة كل فهم يعوق مسيرة تحضر الإنسان وتحقيق رفاهيته. الملمـح الأخطر في كل طرح فكري مغلق يكمن في رؤية أصحابه لمفهوم التواصل مع الخطابات الأخرى، إذ يرون فيه مجرد عمل دعوي هدفه ضم الآخرين إلى معسكرهم. إلى هنا يبدو الأمر مشروعا، إلا أن الخطورة تكمن في ما يتم من تصنيف يصل إلى حد إقصاء أصحاب الطروحات الأخرى. ويستفحل الأمر حين يستمد هذا الطرح قوته من السماء، إذ لا تصبح من حق أحد مراجعة الأمر، إما أن تقبله مغلقا، وإما ترفضه مغلقا، وعندها تصير من الخاسرين. قبول الطرح المغلق أبرز مخاطره أنك تسلم عقلك فلا يعود من حقك استعماله إلا داخل الإطار الذي حدده النموذج. أما رفض النموذج المغلق فلا يخلو كذلك من مخاطر أقلها أن تخسر ما يتضمنه بالفعل من إيجابيات. والحل هو محاولة تفكيك النموذج ومناقشة مكوناته والتدقيق فيها بشكل يسمح بالإفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها. العظم كان يدعو إلى فتح النماذج المغلقة لا كسرها بهدف الفرز والتفكير في التفاصيل وهو عمل شبه مستحيل لأن رعاة النموذج يرفضون كل محاولة شبيهة بذلك. وكانت النتيجة أن كل التيارات الرافضة لفكرة النموذج المغلق سقطت في أزمته نفسها، تحولت إلى نماذج مغلقة تمارس الفعل الإقصائي نفسه وترفض على طول الخط كل ما يصدر عن النماذج التي رفضتها. فبات العلمانيون يروجون لكراهية المؤمنيين باسم العلمانية، فبتنا أمام معسكرين يرفض كل منهما طرح الآخر لمجرد أنه آخر، فضاعت الأفكار وخسرنا احتمالات التواصل. والخسارة ستكون من نصيب الجميع، لأن الإنسان العادي، وهو المعول عليه في البناء، سوف يكتفي بأقل قدر ممكن من الطمأنينة يمكن أن يحصل عليه، فيستكين إليه، فيتعطل العقل والتفكير ويموت العقل الناقد وتتراجع الحضارة. وسط هذا المشهد، قلة هم من نجحوا في التمسك بجهد التفكيك من أجل الفرز والتنبيه إلى المخاطر من دون رفض كاره أو حاقد، من هؤلاء المفكر العربي صادق جلال العظم الذي انبنت أطروحته على محاولة التنبيه إلى المخاطر التي نتجت عن الذهنية غير العقلانية المستسلمة لتفسيرات غيبية تعوق مواجهة الواقع المتردي وتحليل تفاصيله من أجل العمل على تعديلها وتطويرها، مما يتسبب، ليس فقط في تراجع العرب عن ركب الحضارة وبالتالي تبعيتهم للغرب العقلاني، وإنما في هزيمتهم المباشرة وعدم قدرتهم على رد الاعتداء عليهم. وكان دافعه الأهم في ذلك هزيمة العرب سنة 1967. وكأني به يقول: آمنوا بما تودون ولكن لا تستكينوا لمحاولة توفيق كل شيء ليتفق مع فهمكم لما تؤمنون به، لا تسلموا عقولكم لتصور تاريخي صنعه البشر، اسمحوا لعقولكم بالتجريب والتطور. رحل العظم، ولكن بقيت كتاباته بين أيدينا، علينا أن نعيد النظر فيها لنستخلص منها كذلك ما يصب في تحرير العقل العربي من أسر معتقدات وخرافات أراد لها البعض أن تتزيا بزي الدين. شاعر من مصر وليد علاء الدين :: مقالات أخرى لـ وليد علاء الدين صوت الفكر العاقل , 2016/12/14 الرواية والإبداع , 2016/12/11 الرواية ودوافع الإبداع , 2016/11/25 القلم معبر إلى البدايات , 2016/11/20 طائر اسمه الشعر, 2016/11/16 أرشيف الكاتب

مشاركة :