القلم معبر إلى البدايات بقلم: وليد علاء الدين

  • 11/20/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

على المكتب نفسه، تبحث يدي عن القلم والورقة عندما يتحول نقاشٌ مع صديق إلى محاولة قنص الفكرة من عالم الخيال لوضعها في إطار منضبط، فكرة كتابة أو فكرة عمل أو حتى مخطط رسالة. العربوليد علاء الدين [نُشرفي2016/11/20، العدد: 10461، ص(13)] ما الذي يجعل الكتابة بالقلم هاجسًا مُلحّا بعد هذه السنوات الطويلة من ظهور الكتابة الرقمية وتعدد أشكالها وتطبيقاتها وتوفرها إلى حد مذهل؟ في حوار شيّق مع ابن عمّ لي مهموم بالكتابة وله فيها تجارب قبل أن تأخذه حياته العملية والأسرية، ذهب به الخيال إلى افتراض أن وسائل الكتابة الرقمية الحديثة عبارة عن فخ كبير يتم استدراج العالم إليه، وهدف هؤلاء الأشرار المجهولين أن يفقد الناس القدرة على تشكيل الحروف، أن تفقد اليد الإنسانية ذاكرتَها الكتابية، فلا يعود إنسان قادرًا على تشكيل حرف أو ضبط اتصاله ببقية الحروف لصنع كلمة ثم جملة للتعبير عن أفكاره. حين يتحقق ذلك الهدف -وفق نظرية ابن العم- يكون المخطط الشرير قد اكتمل، ولا يبقى سوى تعطيل كل وسائل الكتابة الرقمية، ليعود العالم إلى عصر الشفاهة الأولى؛ لا كتابة. في تلك الآونة، يستكمل ابن العم الفكرة: يكون الأشرار قد احتفظوا لأنفسهم باليد العليا، لأنهم كانوا يدرّبون -سرًّا- أجيالًا من البشر على امتلاك مهارة الكتابة، وهنا ينفردون بتسجيل التاريخ وتشكيل المستقبل وفق هواهم ومصالحهم. قصة خرافية طريفة، تصلح مدخلًا لفيلم أو رواية عظيمة عن الشفاهة والكتابة وعصر العلم والمعرفة. لشدّة تأثري بهذه القصة صرت أخشى فقدان ذاكرة يدي في علاقتها بالقلم والكتابة، فإذا أضفنا إلى الخوف، ذلك الحنين المفرط إلى سنين التكون -أنا من جيل بدأت علاقته بتقنيات الكتابة الحديثة بعد أن أنهى تعليمه الجامعي- تتجلى لك أهمية القلم كأداة وثيقة الصلة بالروح. ولكن متى ألجأ شخصيًا إلى القلم؟ سألني صحافي زميل. سوف أحاول مراقبة نفسي الآن. ألجأ إلى القلم في كل كتابة يصحبها تفكير في البدايات؛ القلم إذن مَعبري إلى البدايات، على المكتب -أمام لوحة المفاتيح والشاشة المضيئة- تبحث يدي عن قلم ناعم الخط أو قلم رصاص، أسحب ورقة بيضاء، وأبدأ في محاولة قنص الفكرة وتجسيدها في عبارات مبدئية. على المكتب نفسه، تبحث يدي عن القلم والورقة عندما يتحول نقاشٌ مع صديق إلى محاولة قنص الفكرة من عالم الخيال لوضعها في إطار منضبط، فكرة كتابة أو فكرة عمل أو حتى مخطط رسالة. بعد ذلك، تبدأ عملية ترجمة خطوط القلم وشخبطاته وتتبّع الأسهم الكثيرة التي تربط بين كتل الأفكار المترامية على بياض الصفحة، لتتحول إلى كتابة رقمية عبر أصابع لوحة المفاتيح. القلم بالنسبة إليّ ممر يصل بالفكرة إلى الورق، ثم يمكن تطويرها بعد ذلك عبر لوحة المفاتيح. ربما لأنه أليف وقريب إلى الروح -فقد نشأ معها-، ربما لأنه يسمح بتركيز البصر وطاقة الجسد على نقطة محددة، ربما لأن الكتابة اليدوية جزء من شخصية كاتبها وليست مجرّد صورة مكرّرة في الشكل لا تحمل الكثير من روح صاحبها. كلها احتمالات قائمة لاستمرار الكتابة بالقلم، ولكنها للأسف احتمالات شديدة الذاتية لا تضمن بقاءه مع الأجيال المقبلة. وهل من الضروري أن يظلّ معهم؟ هل يكون افتراض ابن العم صحيحًا؟ إنها حقًا كارثة. شاعر من مصر مقيم في الإمارات وليد علاء الدين :: مقالات أخرى لـ وليد علاء الدين القلم معبر إلى البدايات , 2016/11/20 طائر اسمه الشعر, 2016/11/16 الاستكتاب الإبداعي, 2016/10/30 توفيق الحكيم وزهرة العمر, 2016/10/23 أزمة لغة أم أزمة عصر أم أزمة تفكير, 2016/10/16 أرشيف الكاتب

مشاركة :