النسخة: الورقية - دولي لعب قرار برلمان شبه جزيرة القرم المطالب بالاستقلال عن أوكرانيا دوراً مفصلياً في وقف انهيار النفوذ الروسي المباشر في هذا البلد، لكنه في الوقت ذاته، خلق مشكلة جديدة مدارها على سُبل حماية القرم والدفاع عنها. وجواب هذه المشكلة هو في استفتاء 16 آذار (مارس) الذي يرجح أن يعلن رغبة القرم في الانضمام إلى روسيا، إذ ذاك في مقدور موسكو استخدام كل الوسائل المتاحة للدفاع عن أراضيها الجديدة. والأغلب أن يتجنب الغرب مغامرة عسكرية مباشرة مع روسيا، فهو لا يريد مواجهة دولة نووية. والمواطن الأوروبي غير مهيأ نفسياً لصور الحرب والقتل والدمار والتشرد، لذا سيكتفي بالمعركة السياسية- الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، وربما يستعرض بعض الوحدات العسكرية الخاصة التي لن تكون لها أي فعالية. ولا تقتصر المشكلة في أوكرانيا على القرم فحسب، بل تتعداها إلى وضع المناطق الشرقية– الجنوبية، والعلاقة مع الحكومة القومية المتطرفة. ويجب اقتناص فرصة الأزمة الاقتصادية الآتية لا محالة، لضرب الحكومة الانتقالية وتقويض أركانها ودعم المناطق الشرقية- الجنوبية التي تجمعها بروسيا روابط قوية واستمالة ولاء نُخَبِها المحلية وحملها على المطالبة بالفيديرالية. عاجلاً أم آجلاً، ستضطر موسكو إلى التعامل مع كييف، وعندها حريّ بالكرملين الاعتبار بأخطاء الماضي وأدّت إلى نقل الصراع من المستوى السياسي- الاقتصادي إلى المستوى السياسي - العسكري. والحال أن قرارات الكرملين الأخيرة ساهمت في اندلاع الأزمة الحالية وتفاقمها في أوكرانيا، إذ لم تكن ثمة حاجة إلى حؤول موسكو دون توقيع كييف اتفاق الشراكة الاوروبية وإنقاذ أوروبا تالياً من عبء أوكرانيا، أو الثانية من قيود الأولى. ولا شك في أنّ تحقيق الأهداف المهمة يقضي أحياناً بانسحابات تكتيكيّة، لكن موسكو دأبت على إبرام الاتفاقات تحت الطاولة مع القادة الأوكرانيين، وكان لسان حالها «الطاعة أو الصداقة مقابل المال»، لكن الصداقة الحقة لا يمكن شراؤها. وكان نهج روسيا يفاقم فساد النخبة الأوكرانية التي كانت دائماً تخل بوعودها وتتجه صوب أوروبا. الأسباب التي آلت إلى إخفاق موسكو كثيرة، وأبرزها تخبط السياسة الخارجية. ويجدر بنا أن نحدد إطار علاقتنا بأوكرانيا. ربما نريد أن تكون على مثال بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، مستقلة لكنها صديقة تحافظ على مكانة الروسية لغة رسمية، وتنتسب إلى منظمة اتفاق التعاون الجماعي والاتحاد الجمركي. أمّا على المدى الاستراتيجي، فموسكو مدعوة الى اتخاذ الخطوات الآتية: أن تلتزم قراراتها بدواعي المصالح، فتكرار شعار أن روسيا لا يمكن أن تزدهر من دون أوكرانيا هو بمثابة ابتزاز يحمل موسكو على تقديم تنازلات، لكن الضرر اللاحق بأوكرانيا إذا قطعت علاقاتها بروسيا يفوق الضرر النازل بموسكو. وتبرز الحاجة ثانياً إلى توجيه النخب الأوكرانية إلى خدمة المصالح الروسية، وإلى إعلان رفض موسكو التعامل مع سلطة لا تحتسب المصالح الروسية. ثالثاً الابتعاد في المفاوضات عن اتفاقات «السلة المتكاملة»، خصوصاً حين يكون المال جزءاً منها، على غرار اتفاق خاركوف الذي مدد بقاء الأسطول الروسي في سيفاستوبول في مقابل تخفيض سعر الغاز، والقروض الأخيرة مقابل عدم توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وفي كل نقطة خلاف، كان الموقف الروسي أقوى من الأوكراني، والتبادل يجب أن يكون متبادلاً، أي المال في مقابل المال، والأمن في مقابل الأمن، والسياسة في مقابل السياسة. أخيراً، ينبغي عدم ربط الحوافز الاقتصادية بسياسيين محددين، بل بالنظام. ومصلحة أوكرانيا الاقتصادية الأبرز تقضي بخفض أسعار الغاز ورهن هذا التقليص بانضمامها إلى الاتحاد الجمركي وتشريع الأبواب الى السوق الروسية، وهذه العضوية يجب أن تكون طوعيّة لكنها مدعومة بحوافز. * صحافي، عن «نيزافيسيمايا» الروسيّة (الملحق العسكري)، 14/3/2014، إعداد علي شرف الدين
مشاركة :