يوماً بعد يوم يظهر أن العلاقات البريطانية مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الجمهوري الأميركي المنتخب دونالد ترامب تواجه أزمة نادراً ما واجهت بريطانيا مثلها من قبل، حيث يقع جزء كبير من المسؤولية عن هذه الأزمة على الطرفين، الحكومة البريطانية من جهة وترامب من الجهة الأخرى، فيما يعزو المحللون السبب الرئيس لهذه الأزمة إلى قلة الخبرة في العلاقات الديبلوماسية لدى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وكذلك ترامب. وكشفت صحيفة «ديلي تلغراف» على موقعها الإلكتروني، أمس، أن «عدداً من الوزراء البريطانيين يتهمون ماي بأنها أساءت التصرف في التعامل مع ظاهرة ترامب وفوزه في انتخابات الرئاسة الأميركية وفتحت المجال واسعاً لشخصية هامشية مثل نايجل فراج، زعيم حزب المملكة المتحدة المستقل (يوكيب) المعارض، أن يدخل على خط العلاقة بين بريطانيا وترامب لدرجة أوصلت ترامب إلى توجيه اقتراح علني إلى الحكومة البريطانية بتعيين فراج سفيراً لبريطانيا لدى الولايات المتحدة، وهو تصرف غير لائق من جانب ترامب ويكشف عن قلة خبرة من جانبه في أصول العمل الديبلوماسي والعلاقات الدولية». إذ عارضت الحكومة البريطانية اقتراح ترامب، وهو تصرف منطقي من جانب أي حكومة تحترم نفسها، فتعيين سفير لها في أي بلد في العالم هو شأن خاص بها، مع ذلك كظمت تيرزا ماي غيظها ولم تدافع عن نفسها جيداً والتصدي لترامب والطلب منه أن يلزم حدوده، وألا يعتدي أو يتمادى أكثر على السياسة البريطانية. لكن اقتراح ترامب ترك مرارة واضحة في نفوس الطبقة السياسية ووسائل الإعلام في بريطانيا، فإلى جانب الوزراء الذين يوجهون اللوم إلى رئيسة الحكومة بسبب هذه الأزمة لأنها ظهرت في شكل معيب وكأنها في سباق مع حزب «يوكيب» الصغير لكسب ود ترامب، فقد امتلأت صفحات الجرائد بالتعليقات حول العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة مستقبلاً، حيث تظهر في الأفق تباينات جدية ليس فقط في السياسة الخارجية للبلدين والعلاقات مع روسيا، بل على الصعيد الداخلي في السياسة الاقتصادية للحكومة البريطانية. ومن ضمن الأمور التي تحدث عنها ترامب في مقابلاته التلفزيونية والصحافية مع جريدة «نيويورك تايمز» عقب فوزه في الانتخابات، كشف في معرض تناوله للعلاقة بينه وبين نايجل فراج والحكومة البريطانية، أنه عرض على فراج أن يشن حملة داخل بريطانيا ضد ما يطلق عليه «مزارع المراوح الهوائية» التي تستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية والتي انتشرت في بريطانيا في شكل واسع من أجل الاستفادة من الرياح العاتية التي تجتاح الجزر البريطانية، خصوصاً التي تهب من المحيط الأطلسي، لجعل هذه المراوح مصدراً للطاقة وتخفيف اعتماد بريطانيا قدر الإمكان على النفط والغاز الطبيعي المستورد من الخارج ومن روسيا في شكل خاص. فمثل هذا الاقتراح يعني أمرين، أن لقاءات ترامب وفراج لم تكن مجرد دعم لحملة ترامب الانتخابية، بل تم خلالها بحث قضايا عميقة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية داخل بريطانيا، ثانياً يكشف أن ترامب يقف إلى جانب شركات النفط الأميركية والعالمية التي تصارع ضد إيجاد مصادر طاقة بديلة غير النفط والغاز الطبيعي، وهذا يفسر موقف ترامب المعارض للاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه في المؤتمر الذي دعت إليه الأمم المتحدة في باريس في شأن التغيرات المناخية وتخفيف الانبعاثات الحرارية، وهو ما يتناقض مع سياسة الحكومة البريطانية الرامية إلى تخفيف الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي، حيث بالإضافة إلى المراوح الهوائية وضعت حكومة المحافظين مخططات لبناء المزيد من الأفران الذرية لتوليد الطاقة. ونقلت تقارير بريطانية عن مصادر حكومية أن تيريزا ماي ووزراءها بدأوا يُعدّون أنفسهم لمواجهة احتمال أن يطلب ترامب، الذي سيقوم في الصيف المقبل بأول زيارة رسمية له إلى لندن بعد تسلمه مهام منصبه في يناير المقبل، بطلب لقاء مع نايجل فراج، ما سيشكل إهانة للحكومة البريطانية علاوة على الإهانة بشأن تعيين فراج سفيراً في واشنطن التي عنت في شكل واضح عدم ثقة ترامب بالسير كيم داروخ، السفير البريطاني الحالي في واشنطن.
مشاركة :