• الميزة المشتركة الأهم بين كل الأنظمة التعليمية الناجحة هي أنها تنبع من الهوية والخصوصية المجتمعية لشعوبها وبلدانها ، فتعلّم النشء ما يجعلهم أكثر اندماجاً وارتباطاً بتاريخهم السابق؛ وواقعهم المعاش، ليكونوا أكثر قدرة على التفاعل معه وحل مشكلاته . الولايات المتحدة مثلاً تقوم مناهجها وخططها التعليمية على رؤيتها في تكوين المواطن الصالح - وفق معاييرهم وفلسفتهم طبعاً - القادر على نشر القيم والمبادئ الأمريكية في العالم ، وترسيخ الولاء للعَلَم الأميركي في كل مكان . أما الانجليز فيعكس نظامهم التعليمي تمسكاً لا تخطئه الأعين بالتقاليد الإنجليزية العتيدة التي يفتخرون بها ولا يتنازلون عنها . بينما تهدف الخطط الإصلاحية لجيرانهم الفرنسيين إلى جعل المناهج أكثر واقعية وملامسة لنمط وفلسفة الحياة في المجتمع الفرنسي متعدد الأعراق . أما اليابان فليس جديداً أن نقول إنها استغنت عن الاقتباس من كل النظم الغربية، وقادت بنفسها ثورة تعليمية جعلتها تتربع على قمة الهرم العالمي علمياً واقتصادياً وحضارياً دون أن تفقد هويتها ودون أن تستغني عن قوميتها، أو أن تنبذ عقائدها وتقاليدها التاريخية . • لا يمكن لأي نظام تعليمي النجاح دون روح وهوية يُفعِّلانه ويوجِّهانه نحو الهدف ، ومن المؤسف القول إن كل تجاربنا السابقة في التطوير فشلت بامتياز كونها لم تنبع من ثقافتنا وهمومنا ومشاكلنا التاريخية ، بل ربما تقاطعت معها في أحيان كثيرة ، كما تقاطعت مع خصوصيتنا التي لا يريد بعضنا الاعتراف بها ، ويراها (سبة) ومصدراً للتخلف لا يجوز الاقتراب منه ! . والأعجب أننا رغم إجماعنا واتفاقنا على فشل كل هذه المحاولات ، مازلنا ننتهج نفس المنهج في الاستنساخ الأعمى ، دون أن نجهد أنفسنا بالتفكير والتساؤل: لماذا فشلت كل محاولاتنا السابقة في تطوير التعليم ؟! • أكبر أخطاء قرارات التطوير والنهوض بالتعليم السابقة - في رأيي - أنها لم ترتكز -في معظمها - على دراسات وأبحاث جادة ونابعة من مشكلات الواقع واحتياجاته ، بل كانت مجرد استجابات انفعالية لضغوط خارجية أو داخلية، أو أنها وفي أحسن الأحوال مجرد أفكار تجريبية نابعة من رؤى أحادية لمسئول، أو لمجموعة ( متحمسة ) من المسؤولين الجدد الذين يدفعهم الحماس لنسف كل ما سبق بناؤه ، دون دراسة لمساوئه أو محاسنه ، لذلك تتكرر المأساة وبنفس الطريقة تقريباً !. • يمكن القول بنفس منصفة ومطمئنة أن نظمنا التعليمية التي لم تواكب تطلعات ولاة الأمر ، ولا مجتمعها المحلي، ولم تحقق ما يوازي كم الإنفاق الهائل عليها ، ستبقى تعمل بنفس العشوائية التي تخرّج لنا في كل عام أفواجاً من الأميين الذين قد يحملون شهادات جامعية، لكن معظمهم يجهل تحديات واحتياجات واقعه، كما يجهل أبسط قواعد التعامل مع بيئته ومحيطه ، طالما بقيت هذه الأنظمة تعمل بنفس العقلية التي لا تتجاهل دراسة واقعها فحسب ، بل تتكاسل حتى عن دراسة النموذج الذي تريد (لطشه ) ، والعمل عليه ! m.albiladi@gmail.com
مشاركة :