أعلنت أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية وخاصة في ختام مؤتمر أبوظبي للحفاظ على التراث الثقافي، أمس، التزامها إنشاء صندوق لتمويل آليات لحماية الآثار في مناطق النزاع وإيجاد ملاذات آمنة لهذه الآثار المهددة. وجاء في البيان الختامي للمؤتمر الذي استضافته أبوظبي على مدى يومين: «نلتزم المضي قدماً لتحقيق هدفين طموحين (...) انشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي وشبكة دولية من الملاذات الآمنة». وحضر الجلسة الختامية للمؤتمر الذي عُقد في قصر الإمارات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وقادة دول بينهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورؤساء حكومات ووزراء. ويمهد المؤتمر في نسخته الأولى التي استضافتها الإمارات المتحدة بالتزامن مع احتفالها بعيدها الوطني الخامس والأربعين، لإنشاء تحالف دولي للحفاظ على الآثار الواقعة في مناطق نزاعات على رأسها سورية والعراق. وأورد البيان الختامي الذي سمّي «إعلان أبوظبي» أن الصندوق الذي لم تحدّد قيمته «سيساعد في تمويل العمليات الوقائية والطارئة ومكافحة الاتجار غير المشروع في القطع الأثرية». كما سيساهم في «ترميم الممتلكات الثقافية التي لحقت بها أضرار». وأفادت مصادر فرنسية مشاركة في تنظيم المؤتمر، بأن الصندوق سيموّل عمليات نقل معالم تراثية وحفظها وترميمها من خلال استخدام تقنية ثلاثية الأبعاد خصوصاً، وكذلك تدريب اختصاصيين لهذه الغاية. وسيتّخذ الصندوق شكل «وحدة قانونية مستقلة»، كما جاء في وثيقة تمهيدية تشير إلى «مؤسسة قانونية سويسرية» قد تُنشأ في جنيف اعتباراً من 2017. وسيحظى الصندوق بحوافز ضريبية وسيستوحى من النظام الداخلي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، وهو مؤسسة لا تتوخى الربح مقرها في جنيف أيضاً. وفي كلمة ألقاها في الجلسة الختامية، قال هولاند ان بلاده تأمل بجمع 100 مليون دولار على الأقل، مشيراً إلى أن باريس ستساهم بمبلغ 30 مليون دولار. ولفت إلى أن مؤتمر ابوظبي يجمع للمرة الأولى قادة دول ومنظمات خاصة وعامة وخبراء في مجال الآثار «من اجل هدف انساني» في «تحالف دولي كبير». وبالنسبة الى «الملاذات الآمنة»، نص البيان الختامي على سعي الدول لحماية آثارها على أراضيها عبر نقلها من المكان المهدد الى مكان أكثر أمناً، «او في بلد مجاور اذا كان تأمينها على المستوى الوطني غير ممكن، او في بلد آخر كملاذ أخير». ووفق مصدر قريب من المشاورات التي دارت في ابوظبي، ستحتاج مسألة نقل الآثار من دولة إلى أخرى لحمايتها من هجمات محتملة الى موافقة حكومتي البلدين قبل الشروع في عملية النقل. وأوضح المصدر أن «الأولوية هي للعمل على نقل الآثار داخل البلد نفسه». وأبدت دول، بينها البوسنة، استعدادها لاستقبال آثار مهددة، فيما تحفظت دول أخرى، بينها مصر، عن فكرة نقل الآثار الى بلد آخر، وفقاً لمشاركين. وقال رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس في كلمة ألقاها إن مسألة نقل الآثار الى بلد آخر «يجب ان تكون الملاذ الأخير» وأن تشمل ضمانات لحماية هذه الآثار. وطالب المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي مجلس الأمن الدولي بدعمهم في تحقيق هدفيهم، معلنين عقد مؤتمر للمتابعة في العام 2017 لتقييم «مدى التقدم المحرَز في تنفيذ المبادرات المنطلقة في ابوظبي». وفي كلمته، اعتبر محمد بن زايد آل نهيان ان المؤتمر يمثل «حدثاً مهماً وفرصة حقيقية لنعرب من خلاله عن اهمية تكاتف جهود كل الدول لحماية التراث العالمي الذي بات مهدداً اكثر من اي وقت مضى». ووجه «نداء الى كل دول العالم للتعاون والتنسيق للسيطرة على تهريب الآثار (...) بخاصة آثار بعض الدول العربية التي عانت من خطر العنف والإرهاب، والنظر الى هذه الآثار باعتبارها تراثاً عالمياً مشتركاً لا يجوز التهاون في سرقته او تهريبه او نقله». ونبه وزير الثقافة الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان الى ان العالم يخوض «سباقاً مع الزمن من اجل حماية التراث الثقافي». هولاند في اللوفر - أبوظبي وعلى هامش مشاركته في المؤتمر، زار هولاند متحف اللوفر - ابوظبي الذي يتوقع ان يفتح ابوابه العام المقبل. وأكد انه سيعمل لـ «حماية» الشعوب المهددة بالحرب والإرهاب، وذلك في اول تصريح بعد اعلانه انه لن يترشح لولاية اخرى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقال: «عملي كرئيس للجمهورية اولاً هو حماية (...) السكان المدنيين المهددين بالحروب او الإرهاب». وأضاف ان متحف اللوفر - ابوظبي «يوجه رسالة سلام وتسامح وحماية ايضاً». ورافق هولاند في زيارته المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل الذي صمّم مبنى المتحف الواقع في جزيرة السعديات قبالة ابوظبي وسط مشروع ضخم يشتمل على «حي ثقافي» في الجزيرة مع متاحف عدة، من بينها متحف غوغنهايم ومتحف زايد الوطني. سويسرا تصادر قطعاً أثرية أمر القضاء في كانتون جنيف السويسري بمصادرة قطع أثرية مصدرها مدينة تدمر الأثرية السورية واليمن وليبيا، كانت مخزنة في الميناء الحر في جنيف، وفق بيان نشر أول من أمس. ويضم الميناء الحرّ مستودعات تسمح بالحفاظ على أنواع شتى من القطع من دون دفع رسوم جمركية أو ضريبية على القيمة المضافة. وأوضحت النيابة العامة في جنيف ان القطع المصادرة كانت مودعة في الميناء الحر بين 2009 و2010 وقد أثار تفتيش جمركي أجري في نيسان (ابريل) 2013 «شبهة وجود مصدر غير قانوني». وأوفدت السلطات الثقافية في العاصمة الفيديرالية السويسرية برن اثر الاتصال بها من جانب الجمارك في مطلع العام الماضي، خبيراً أكد صحة هذه القطع وأطلق مسار قضائي في القضية في شباط (فبراير) الماضي. وتشمل الأغراض المصادرة تمثالاً رأسياً للإلهة إفروديت ومنحوتتين جنائزيتين. وقد يكون تاريخ هذه القطع عائداً إلى فترة تراوح بين القرنين الثالث والرابع للميلاد. ومن المقتنيات المصادرة ثلاث قطع أثرية مصدرها مدينة تدمر التي تضم آثاراً تاريخية من منطقة كانت مركزاً ثقافياً رئيساً في العالم القديم. وهذا الموقع مدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة «يونيسكو». كذلك ثمة خمس قطع من اليمن تعكس التاريخ الثقافي للمنطقة الجنوبية من شبه الجزيرة العربية. ومن بين القطع المصادرة أيضاً تمثال رأسي للإلهة إفروديت مصدره ليبيا يؤشر الى الأثر الإغريقي في منطقة شمال افريقيا وفق المصدر عينه. وأظهرت التحقيقات أن هذه القطع نقلت من مواقعها الأصلية بفعل عمليات نهب، وفق النيابة العامة في جنيف. وفي انتظار اعادتها الى دولها الأصلية، ستودع القطع في متحف الفن والتاريخ في جنيف لعرضها على العامة.
مشاركة :