أجمع أكاديميون ومفكرون خليجيون على ضرورة اتجاه دول الخليج العربي لتنويع اقتصادها، مشيرين إلى أن اعتمادها ولمدة عقود طويلة على منتج واحد «النفط» أدى لبروز عدد من الإشكالات المرتبطة بانخفاض أسعار هذا المنتج، إضافة إلى إمكانية ظهور بدائل أخرى تساهم في التقليل على الاعتماد عليه. أوضح المشاركون في جلسة «استراتيجيات التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربية والعوامل المؤثرة» فيها التي عقدتأمس، ضمن أعمال المنتدى الثالث لدراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن النفط ظل ومنذ سنوات طويلة سلعة مسيسة. وناقش الأكاديمي الكويتي علي الزميع ملامح النموذج المأمول والإيجابي لمتطلبات وسياسات خطط ومشاريع التنمية، وذلك بالتركيز على دراسة سياسات وآليات خطط التنمية في المنطقة. وأكد الزميع أهمية هذا الأمر في ظل ندرة الدراسات التقييمية لمثل هذه المواضيع، كما أن أهميتها تزداد في ظل ما تواجهه دول مجلس التعاون الخليجي من العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخلياً وخارجياً. وأوضح أن أبرز هذه التحديات ما تواجهه هذه الدول من واقع تنموي متراجع، لضعف تفعيل إرادة وثقافة خطط ومشاريع التنمية الجادة في المنطقة على المستوى الوطني، مما جعل مسيرة التخطيط التنموي تاريخياً عملية تحديث أكثر منها تنمية شاملة فهي مسيرة نمو وليست تنمية مستهدفة. وفصّل الزميع تعريف وتحليل مفهوم خطط التنمية وواقعها التنموي، واستعرض مسيرة صياغة وتنفيذ وتقييم خطط التنمية، مع رصد للواقع التنموي المتراجع لدول المنطقة. الرميحي: انخفاض أسعار النفط مؤقت بسبب تراخي الاقتصاد العالمي أشار الأكاديمي الكويتي محمد الرميحي إلى أهمية تنويع مصادر الدخل في دول الخليج العربي، والعوائق التي تواجه هذا الاتجاه، مشيراً إلى أنّ النفط سيستغنى عنه بوصفه مادة للصناعة والمواصلات في القريب العاجل، كما أنّ أسعار النفط المتدنية تنبئ عن قرب الاستغناء عنه بوجود مصادر أخرى للطاقة البديلة، لافتاً إلى أنّ أسعار النفط المنخفضة مؤقتة بسبب تراخي الاقتصاد العالمي والصراع السياسي في المنطقة، فهي ستنتعش عند تغير المناخ الاقتصادي العالمي. وقال الرميحي: إن اقتصادات الدولة الريعية تركت تراثًا انتقل من الاعتماد على هذه الدول في تقديم خدمات للمواطنين وتقديم تسهيلات اقتصادية اجتماعية واسعة حتى أصبحت هذه التسهيلات «معطى» اجتماعي وسياسي. وأوضح أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب إجراء إصلاح اقتصادي وسياسي وقانوني وتعليمي؛ فأي نظام إصلاحي أو خطط مستقبلية يجب أن تتضمن رؤية ومساراً لإصلاح الأنظمة العامة في المجال القانوني والتعليمي والسياسي. الزامل: المنطقة تأثرت بـ «المرض الهولندي» قال الباحث والكاتب السعودي عصام الزامل: «إن العمالة الوافدة أثرت في فرص نجاح التنويع الاقتصادي في السعودية ودول الخليج العربي، فعلى الرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على بداية الطفرة النفطية الأولى في السعودية، نجد الاقتصاد السعودي لا يزال يعتمد اعتماداً شبه كليّ على صادرات النفط، ، إذ يمثل النفط أكثر من %80 من الصادرات، كما يمثل أكثر من %90 من إيرادات الحكومة السعودية». وفصل الزامل أسباب عدم التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج مستدام. مشيراً إلى أن بعض الاقتصاديين يعزو هذا الضعف في النمو الاقتصادي والفشل في تنويع الاقتصاد إلى «المرض الهولندي». وهو المرض الاقتصادي الذي يصيب بعض الدول التي تبلغ الموارد الطبيعية نسبة كبيرة من صادراتها؛ إذ إن زيادة الصادرات من الموارد الطبيعية -كالنفط- تزيد من تدفق النقد الأجنبي، وتؤدي إلى رفع الأسعار المحلية، ورفع تكلفة الأيدي العاملة، وبهذا يتآكل قطاع التصنيع؛ بسبب ضعف قدرته على المنافسة نظراً إلى ارتفاع تكلفة العمالة. وأوضح أن السعودية تتشابه مع الدول المصابة بالمرض الهولندي؛ لكونها تصدر كميات كبيرة من مورد طبيعي واحد -هو النفط- إلا أنها تختلف اختلافاً جوهرياً، يجعل من الصعب القول إنها مصابة بالمرض الهولندي، ويكمن الاختلاف الرئيس في أن السعودية مع الطفرة النفطية الأولى في السبعينيات من القرن العشرين، سمحت بتدفق أعداد كبيرة من العمالة الوافدة المتدنية التكلفة. وأبان الزامل أن تدفق العمالة الوافدة متدنية التكلفة والمهارة لم يكن السبب الوحيد الذي أدى إلى المشكلات الهيكلية الاقتصادية، إذ إن هناك عوامل أُخرى مهمة؛ مثل ارتفاع أجور الوظائف الحكومية، وارتفاع أعدادها، مع الدعم الكبير للطاقة وبعض الخدمات العامة. كل هذا ساهم في إفشال محاولات تنويع الاقتصاد ورفع الإنتاجية. تركستاني: يجب وضع طرق لمواجهة الوضع الاقتصادي الجديد قال الأكاديمي بالجامعات السعودية حبيب الله تركستاني: "إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي تأثرت بالتراجع الكبير والمفاجئ في أسعار النفط والدخل القومي في بداية عام 2016، حيث تراجع سعر النفط من 100 دولار للبرميل إلى 30 دولاراً للبرميل، الأمر الذي مثّل تحدياً كبيراً وخطراً على اقتصادها القومي وتوقّف بعض مشاريعها التنموية، كما دفع هذا الواقع الجديد إلى ضرورة التفكير في سبيل التصدي لهذا الوضع الاقتصادي الجديد. وكان من ضمن الخيارات التي أعلنتها دول المجلس الاتجاه نحو تنويع مصادر الدخل القومي في دول المجلس، وعدم الاعتماد على النفط مصدراً رئيسياً للدخل القومي الخليجي، والبحث عن أفضل الخيارات لتنويع مصادر الدخل القومي". وأوضح تركستاني أن هذا الأمر يتطلب تقييم مدى إمكانية التوجه نحو هذا الخيار القديم الجديد، وماهية الفرص والتحديات التي تواجه دول المجلس في سبيل تحقيق هذا التنويع الاقتصادي، والقطاعات الاقتصادية المتاحة والممكنة، ومدى وجود تنسيق بين اقتصاديات دول المجلس لتحقيق هذا الهدف الاقتصادي الاستراتيجي. واعتمد تركستاني في ورقته على دراسة ميدانية لتقييم مدى مساهمة دور القطاع الخاص في دول مجلس التعاون للمشاركة في تحقيق هذه الرؤية الجديدة وتنويع مصادر الدخل القومي والوصول إلى التنمية المستدامة والمتنوعة في الاقتصاد الخليجي. وتطرق إلى الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبناها دول المجلس في سبيل تحقيق الأهداف الاقتصادية. كما تحاول تقييم مدى جاهزية القطاعات الاقتصادية للتحول إلى الاقتصاد الجديد. وتعتمد الدراسة على المنهج الوصفي، مستخدمةً برامج التحليل والمنهج العلمي في سبيل تحقيق أهدافها والإجابة عن تساؤلاتها.;
مشاركة :