في عام 2007 شرفت بالإقامة على أرض (الجماهيرية الليبية سابقا)، (دولة ليبيا الممزقة حاليا)، وطوال فترة إقامتي في تلك البلاد الطيبة التي امتدت حتى أواخر عام 2009 لم أر أو ألمس سوى كل ما هو جميل من مشاعر الشهامة العربية الأصيلة والنخوة والكرم وحب الغير والتعاون والمحبة من الأشقاء الليبيين، كان الشعب الليبي يتمتع بمقومات وصفات غاية في الروعة تكاد تجعله يكون مجتمعا مثاليا وأنموذجا يحتذى به بامتياز، إن وجد إدارة ناجحة تعمل على استغلال تلك الصفات والمقومات، ناهيك عن ثروات البلد وخيراته التي كان من المفترض أن تجعله في مصاف الدول المتقدمة. ومن أبرز وأهم تلك الصفات والمقومات التي كانت لدى الشعب الليبي هي تركيبته الاجتماعية والإيديولوجية، فالليبيون جميعهم مسلمون، وجميعهم على مذهب الإمام مالك – رحمه الله- فلا توجد لديهم مذهبية أو ديانات أخرى قد تنجم عنها بعض الصراعات كما هو الحال في بلاد عربية أخرى. ناهيكم عن أن المجتمع الليبي مجتمع قبلي متلاحم، تراهم يدا واحدة في المناسبات الاجتماعية، بأفراحها وأحزانها، وما من قبيلة ليبية إلا وتربطها بالأخرى علاقة نسب ومصاهرة من أقصى ربوع ليبيا إلى أقصاها. كل ما أسلفت ذكره لا ينفي أن هناك بعض المناوشات التي كانت تجري بين بعض القبائل كغيرها من بلدان العالم، فلا توجد هناك تجربة بشرية خالية من المشاحنات والأخطاء، ولكن على أية حال تركيبة الشعب الليبي كما ذكرت كانت تؤهله لأن يعيش حياة أفضل، ولكن النظام الليبي السابق لم يحسن استغلال ذلك مع الأسف الشديد، وزادت الفجوة بينه وبين العديد من أبناء شعبه. فمع انطلاق شرارة ما يسمى بالربيع العربي الذي تحول إلى خريف مظلم وقاتم حلقت في أجواء هذا البلد الطيب غرابيب ذاك الربيع المشؤوم التي ما فتأت إلا أن أمطرته بأمطار العذاب والشقاء والجحيم وحولته من بلد هادئ يسعى في خطوات ثابتة نحو تنمية وازدهار بعد إلغاء العقوبات الغربية التي كانت مفروضة عليه من قبل الغرب بعد تصالح النظام مع الدول الغربية. وبعد أن كانت ليبيا بلدا هادئا آمنا يتمتع فيه مواطنوه بالأمن والأمان مرفوعي الهامة أينما حلو وكانت قبلة ومقصدا لملايين العمال من مختلف الجنسيات الإفريقية بل والآسيوية، ناهيكم عن احتضانها لعدد لا بأس به من الأشقاء الفلسطينيين المقيمين على أرضها إلى بلد تمزقه الحرب والصراعات والأحقاد والمؤامرات. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوة: هل إسقاط نظام العقيد القذافي كان المسمار الأخير الذي أجهز على ذلك البلد؟ أم أن المشكلة الحقيقية تكمن داخل الأنفس والصدور المتشاحنة من أبناء الشعب الليبي أنفسهم؟ أم أن هناك أياد خفية تعبث في الخفاء تحرك وتؤلب وتؤجج صراع القبائل فيما بينها وتذكي نار الفتنة؟ فبالأمس القريب تسبب "قرد" في سقوط 16 نفسا بريئة ومعارك وصلت إلى استعمال الأسلحة الثقيلة بين أبناء قبيلتين. أمن المعقول أن يحدث هذا من أجل سبب تافه، إن دل علي شيء إنما يدل على أن هناك من يعبث في الخفاء بهذا الشعب ليدمره عن بكرة أبيه ويكون هو المستفيد من جميع ما يحدث فليس من المعقول ما نراه ونشاهده من خراب ودمار ورعب في هذا البلد الشقيق! فماذا جرى لكم أيها الليبيون؟ وإلى متى ستظل دماؤكم تجري وأرواحكم تزهق وتتقاتلون وتتباعدون عن بعضكم؟
مشاركة :