خالد علي غيفارا المصري الذي يحارب من أجل تيران وصنافير بقلم: أحمد حافظ

  • 12/10/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الحقوقي الشاب يجيد القفز على المشهد بحثا عن دور سياسي، فهو يفخر بأنه في صغره اشتغل حمالا وعاملا في مقهى، أما مؤيدوه فيؤكدون أن نشأته الفقيرة وراء دفاعه عن المستضعفين. العربأحمد حافظ [نُشرفي2016/12/10، العدد: 10481، ص(13)] محامي الفقراء والمهمشين يبارز في كل الجبهات القاهرة - ليس من السهل على محامٍ مصري، أن يقدم نفسه للمجتمع بسهولة، ليصبح من أشهر المحامين الذين عرفتهم الدولة المصرية، إلا إذا كان يمتلك من الذكاء الفطري، والدهاء والشجاعة في اقتحام قضايا مثيرة وشائكة ما يؤهله لبلوغ حلم الشهرة والصيت الواسع، فيكون اسمه في صدارة المشهد الإعلامي ودوائر المحاكم والقضاء. في مصر، تنقسم معايير وأساليب شهرة المحامين إلى ثلاثة، الأول، أن يبادر المحامي بتقديم بلاغات إلى النيابة العامة، للتحقيق في قضايا مثارة بقوة على الرأي العام، ليكون هو في صدارة المشهد الإعلامي والقضائي، حتى لو لم يكن صاحب مصلحة مباشرة. النوع الثاني لا يتردد في الموافقة على المرافعة والدفاع أمام المحاكم، عن المسؤولين البارزين، ورموز المجتمع، المتهمين بالفساد وإهدار المال العام، والقتل والتجسس على الدولة، وحتى إن رفض أكثرية المحامين الترافع عن هذه الفئة خشية ردة فعل الجماهير، تراه يوافق بشجاعة على الدفاع عنهم، ليصبح في صدارة المشهد. أما النوع الثالث المثير للجدل، فهو المحامي الذي يتبرّع من تلقاء نفسه، دون أن يطلب منه ذلك، للدفاع عن القضايا الوطنية، وحقوق “الغلابة” والمهمّشين دون مقابل، انتظارًا لجني ثمار هذه التحركات مستقبلًا، إما بشكل سياسي، أو بحجز مكان له في المشهد الإعلامي والحقوقي على المستويين المحلي والدولي، وإلى تلك الفئة ينتمي المحامي الشاب خالد علي. وقد اعتاد المصريون من علي، القفز على أكثرية القضايا، التي تتعلق بصدام بعض الفئات والتيارات مع الأنظمة الحاكمة المختلفة، سواء كانوا سياسيين أو حركات ثورية وشبابية، أو عمالًا يطالبون بحقوقهم، ويلجأون إلى التصعيد لنيل الحقوق، عندئذٍ تراه يقرأ المشهد السياسي والإعلامي، باحثًا عن هذه الفئة والالتحام معها والدفاع عنها، سواء كانت مطالبها مشروعة أو غير مشروعة، فهي في نظره على حق دائمًا. لذلك، أصبح من السهل على أيّ مصري، أن يتكهن بالمحامي الذي سوف يقفز على هذه القضايا، فيتبرع بتبنّيها أمام المحاكم ودوائر النيابة، مستغلًا في ذلك دهاءه وذكاءه الفطري في استغلال ثغرات القانون، ثم ما يلبث أن يحوّل القضية إلى سياسية تجاه النظام، حتى لو كانت بعيدة تمامًا عن التسييس ولم يتدخل فيها النظام من قريب أو من بعيد، والمهم أن يظهر أمام الرأي العام في صورة المعارض والحقوقي البارز. المعارض الدائم عارض علي بشدة نظام حسني مبارك حتى أطاحت به ثورة 25 يناير 2011، ثم خرج في أكثر من مظاهرة ضد المجلس العسكري، الذي تقلّد زمام الحكم بعد تنحي مبارك، وعندما تولًى الإخوان الحكم، لم يسلموا من هجومه الضاري ودعوته لإسقاط زعامة الإسلاميين، واليوم وصلت معارضته لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أقصى درجة. بقي حريصاً على ألا يحسبه أحد على نظام سياسي بعينه، كي لا يخسر كل شيء. لهذا لا يفصح عن انتماءاته السياسية والحزبية، حتى أصبح معارضًا على طول الخط. يرى أن كل الأنظمة سيئة على حدّ سواء، لأنها لم تحقق أدنى مبادئ حقوق الإنسان وكفالة حياة الفقراء، ووقف الظلم ضد العمال وملاحقة الشرطة للشباب. شخصية المحامي خالد علي الذي يبلغ اليوم 44 عامًا، وفهم دوافعه في تنصيب نفسه محاميًا عن المستضعفين والمعارضين، لا يمكن فصلهما عن البيئة التي نشأ فيها منذ الصغر، حيث ولد لأسرة فقيرة بمدينة “ميت غمر”، التابعة لمحافظة الدقهلية، شمال القاهرة، وعمل منذ أن كان طالبًا في مرحلة التعليم الثانوي حمّالًا بأحد صوامع الأرز، ثم عاملًا بأحد مقاهي المدينة، لمساعدة والده، الذي كان موظفًا بسلاح خفر السواحل، في الإنفاق على أسرته. الشقاء الذي عاشه منذ حداثة سنه، بسبب الظروف المعيشية الصعبة لأسرته، أوجد بداخله عداوة مع مختلف الأنظمة والحكومات، ما أثّر على تركيبته الشخصية، وجعله يرى في مساندة المطحونين والعمال والمعارضين للوضع العام بالدولة، دفاعًا عن نفسه هو شخصيًا، وعن أفراد أسرته الكادحة، التي كانت ضحية لسياسة الدولة الاقتصادية والسياسية، فآثر أن يلتحق بكلية الحقوق، ومن بعدها العمل بمهنة المحاماة، ليتخذ منها وسيلة لبلوغ هدفه وتعويض ما فاته في الصغر. الفكر العدائي الذي يحمله علي لرجال الأعمال بشكل خاص، ومخاصمته للخصخصة بشكل عام، مكناه من النجاح في إبطال خصخصة شركات القطاع العام، وامتلاك المستثمرين الكبار للعديد من الشركات، أبرزها (عمر أفندي)، و(طنطا للكتان)، و(غزل شبين) الحقوقي الثائر على عكس أكثرية المصريين، الذين عرفوا جيدًا توجهات خالد علي، وكيف يستغل كل قضية لها علاقة مباشرة مع النظام في القفز عليها من تلقاء نفسه، من بوابة “الحقوقي الثائر”، ينظر إليه مؤيدوه على أنه نسخة مصرية من المناضل الكوبي “تشي غيفارا”. بدأ مشواره مبكرًا كمحامٍ وعمره 21 عامًا، وكان ذلك في أوج سيطرة القبضة الحديدية لنظام مبارك. فعمل ضمن فريق بأحد المراكز الحقوقية المدافعة عن القضايا العمالية، وتقديم العون القانوني “مجانًا”، لمن يحتاجه في قضايا حقوق الإنسان، لا سيما الفقراء والعمال والمعتقلين داخل السجون. وقتها قرر أن يستخدم مهنته في تحدي نظام مبارك وأجهزته الأمنية، للدفاع عن حقوقهم، وشارك في تأسيس مركز هشام مبارك للقانون، وعمل مديرا تنفيذيًا به، ومن بعدها أسس جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، التي شُكّلت عام 2008 استعدادا لدعم انتفاضة عمّال الغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى (في شمال مصر)، وقاد إضراب حركة 6 أبريل المعارضة لنظام مبارك في العام نفسه، وصارت الجبهة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم من أهم أدوات الدفاع عن حق التظاهر في مواجهة السلطة. ولأنه معروف عنه حب الاستئثار بالقضايا الشائكة وحده، ولا يدخلها إذا كان هناك محامون آخرون سبقوه إليها، رفض أن يكون له شركاء في هذه المهمة حتى لو كانوا يسيرون على نفس نهجه، وحتى لا يصبح أداة في يد أحد من أصحاب المراكز الحقوقية يحرّكه كيفما ومتى شاء، واستقل بذاته وأسس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام 2009. في معترك السياسة لم يكن سهلًا على أيّ محامٍ مصري أن يقف في وجه رجال الأعمال خلال فترة حكم مبارك، حيث كانوا منخرطين مع السلطة، ويتدخّل بعضهم في وضع السياسات الاجتماعية والاقتصادية، حتى جاء خالد علي وتصدّى لقرار رجل الأعمال صفوت مهران، صاحب مجموعة مصانع مهران للصناعات الغذائية، بتسريح العمال وإهدار حقوقهم، ونجح في أن يترافع عنهم دون مقابل مادي، أمام القضاء وحصل على حكم بحبس رجل الأعمال. لا يفصل معارضو خالد على بين كونه نشأ في أسرة واجهت صعوبات اقتصادية كبيرة اضطرته للعمل في مهن شاقة منذ صغره، وبين كونه محاميًا وحقوقيًا يعادي طبقة رجال الأعمال، الذين حققوا ثراء سريعًا من خلال علاقاتهم من السلطة، لذلك كان دائمًا خصمًا لهم في القضايا المتّهمين فيها أمام القضاء، حتى لو لم يكن صاحب منفعة. ونجح من خلال هذا الفكر العدائي لرجال الأعمال بشكل خاص، ومخاصمته بالذات لخصخصة القطاع العام بشكل عام، في أن يبطل خصخصة شركات القطاع العام، وامتلاك المستثمرين الكبار للعديد من الشركات، أبرزها “عمر أفندي”، و”طنطا للكتان”، و”غزل شبين”. حاول علي استثمار هذا التواجد على الساحة السياسية والإعلامية بشكل دائم، باعتباره نصيرًا للمعارضين والثائرين على أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في أن يدخل معترك السياسة، بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي جرت عام 2012، وفاز بها محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، ليصطدم بالحقيقة، بعدما حصل على المركز السابع في عدد الأصوات، فعاد لهواية المعارضة مرة أخرى ضد نظام حكم جماعة الإخوان. خالد علي يعرف بأنه عارض بشدة نظام حسني مبارك حتى أطاحت به ثورة 25 يناير 2011، ثم خرج في أكثر من مظاهرة ضد المجلس العسكري، وعندما تولى الإخوان الحكم، لم يسلموا من هجوم علي الضاري ودعوته لإسقاط زعامة الإسلاميين، واليوم وصلت معارضته لنظام السيسي إلى أقصى درجة. وسعى قادة الإخوان لاستقطابه، للانضمام تحت لواء الجماعة في الحكم، لكنه خشي أن يخسر كل شيء، وبذكائه توقع سرعة انهيار حكم الجماعة لمصر، لذلك رفض الكثير من العروض لتولّي مناصب قيادية بالدولة، وآثر أن يظل في صفوف المعارضة وشباب الثورة، الذين حاول الرئيس الإخواني التخلص منهم. ولأن أكثرية الساسة وشباب الثورة والشعب كانوا ضد نظام حكم الإخوان بشكل علني، فشل علي في أن يستحوذ على المعارضة لنفسه، مثلما فعل إبان فترة حكم حسني مبارك ومعه مجموعة من الحركات الثورية، على غرار حركة 6 أبريل، والاشتراكيون الثوريون. وقتها بحث لنفسه عن زاوية يعارض منها نظام الإخوان، فلجأ إلى المعارضة، من بوابة إعلانه الرغبة في الإبقاء على “مدنية الدولة”، ومن ثم أصبح من أشد المعارضين لـ”الأسلمة” بمفهومها الشامل، وله مقولة شهيرة تنص على “أن الإسلام ليس في خطر، وسيظل عزيزًا، وكل مسلم مصري يستطيع تطبيق الشريعة على نفسه وليس في حاجة لوصيّ، فهناك دول ليست إسلامية، لكنها تطبق روح الإسلام وشريعته أكثر من تلك الإسلامية”. ظل حلم الوصول إلى كرسي رئاسة البلاد، قابعًا في ذهن علي، رغم خسارته الفادحة في انتخابات 2012، فأعاد ترشيح نفسه مرة أخرى في انتخابات 2014، وترشح ضد الفريق عبدالفتاح السيسي (بعد أن استقال السيسي من منصب وزير الدفاع)، وحمدين صبّاحي أحد أبرز الناصريين المعارضين وزعيم التيار الشعبي، إلا أن علي شعر بخيبة الأمل مبكرًا، نظرًا لضعف موقفه في المنافسة على المنصب، فقرر الانسحاب من الانتخابات. معركة الجزيرتين مبررات انسحابه لم تقنع أحدًا، لا سيما وأنه خرج من السباق بحجة العيوب التي احتواها قانون الانتخابات، وقال “إنه يرفض أن يكون شريكًا في مسرحية هزلية”، رافضًا وجود الجيش في المشهد السياسي، رغم أنه ترشح للرئاسة وكان يعلم أن مرشح الجيش-السيسي- كان في الصدارة، بطلب من الجماهير، التي خرجت ضد حكم جماعة الإخوان. حديث علي لم يرض الأكثرية من الشعب، الذي طالب السيسي بالترشح، ومن وقتها ظل قطاع عريض من أنصار الرئيس الحالي ينظرون إلى علي باعتباره مناهضًا للجيش. وما زاد من شعور البعض بأن هذا الحقوقي، يعارض لأجل المعارضة، وليس لديه موقف واحد، ويريد القفز على القضايا الشائكة، أنه تعهد -بعد الإطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان بأشهر طويلة- بالدفاع عن حقوق شباب الجماعة، الذين قتلوا في أثناء فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، الذي نظمه أنصار مرسي عقب تدخل الجيش لعزله. من وقتها، وعلي يتم تصنيفه عند معارضي الإخوان بأنه “طابور خامس”، وهي صفة لمن يدعم الإخوان سرًا ولا يقر بذلك علانية، ويتخذ من مهنة المحاماة ستارًا للدفاع عنهم، وتشويه صورة النظام المصري أمام المجتمع الدولي، ورغم خطورة هذا التوصيف على مستقبله السياسي، لم يتأثر أو يتراجع عن فكرته. بسبب نبرته العالية في الهجوم على الحكومة والنظام، ومعارضته لأغلبية القرارات والسياسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، أصبح علي ضيفًا “غير مرغوب فيه”، لدى أكثرية وسائل الإعلام، التي يمتلكها رجال أعمال تربطهم مصالح مختلفة مع الدولة، لأنهم يعتقدون أن مجرد استضافته في أي” برنامج، ربما يعرّضهم لاتهامات بأنهم يدعمونه. كان متوقعًا بقوة، عند متابعيه، ألا يمرّر علي، تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للسعودية، ضمن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين البلدين، دون أن يكون له دور، حيث لم يسبق له أن صمت في مثل هذه الحالات، لا سيما وأنها تتعرض لقمة رأس السلطة بشكل مباشر، والرأي العام أجمع يتحدث عنها. مشواره يبدأ مبكرا كمحام وعمره ما يزال 21 عاما، وكان ذلك في أوج سيطرة القبضة الحديدية لنظام مبارك. فعمل حينها ضمن فريق بأحد المراكز الحقوقية المدافعة عن القضايا العمالية، وتقديم العون القانوني (مجانا) بعدما دعا لمظاهرات قادها أمام نقابة الصحافيين، وهو مرفوع على الأعناق، للاحتجاج ضد التنازل عن الجزيرتين، لجأ إلى مقاضاة الحكومة أمام القضاء، الذي حكم لصالحه وأبطل الاتفاقية، ما اضطرت معه هيئة قضايا الدولة، (ممثلة الحكومة أمام المحاكم)، للطعن على الحكم، وهكذا أصبحت المواجهة حاليًا منحصرة بين علي والحكومة. المحامي المعروف عنه أنه يتبع سياسة النفس الطويل في مواجهة خصومه ما دامت المكاسب كثيرة، لا يكلّ عن البحث عن كلّ ما من شأنه إثبات صحة موقفه وقضيته، حيث سافر إلى الأمم المتحدة، ودخل إلى كبرى المكتبات في واشنطن، للاطلاع على الخرائط القديمة للدولة المصرية، التي ترصد حدودها البحرية، ونجح في الحصول على نسخة منها وقدمها إلى المحكمة. بسببه، أصبحت يد البرلمان المصري مغلولة أمام مناقشة الاتفاقية وإمكانية التصديق عليها، ووضع حكم بطلان الاتفاقية الحكومة في موقف بالغ الحرج أمام الرأي العام المحلي، الغاضب على سياساتها، والرأي العام السعودي أيضًا، كما رسّخ لدى البعض فرضية الاتهامات الموجهة إلـيها بالتفريط في الأرض. بعيدًا عن سخط معارضيه على أسلوبه في التعامل مع القضايا الشائكة، والقفز على المشهد بذكاء شديد، فإنه ينظر إلى نفسه باعتباره باحثًا عن إصلاح مجتمعه، من خلال الاهتمام بالتعليم، ومحاربة الفساد، بما يوفّر العديد من مصادر الدخل، ويخلق حالة من العدالة، ويقضي على “الطبقية”، ويضمن حياة آدمية للفقراء، والأهم أن يؤمن الشعب بقدراته ويثق في نفسه، كي لا يظل قابعا في الفقر والجهل والمظالم. كل تلك الأهداف، بالنسبة إلى خالد علي، لن تتحقق من دون إصلاح سياسي، وإيجاد مؤسسات قضائية حقيقية، ومؤسسات شرطية بعيدة عن الاستخدام السياسي، فليس دور الشرطة تصدير الرعب إلى كل صوت معارض، لكن لا يمكن تحقيق أيّ من ذلك دون رؤية ومسار، وهو ما يؤكد دائمًا أنه لن يمل من المطالبة بهما. :: اقرأ أيضاً مانويل فالس القائد يجب أن يعرف كيف يقود ولهذا أنا هنا أمينة دسمال سينمائية إماراتية تقتحم سوق الإنتاج العالمي

مشاركة :