أثير النشمي تكتب الحب في زمن الفقد

  • 12/13/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

< يبدو أن لغة الحب طغت كثيراً على هذه الرواية «ذات فقد» للكاتبة السعودية أثير عبدالله النشمي طبعة 2016 والصادرة عن دار الفارابي بيروت - لبنان فبمجرد قراءة سطورها الأولى سيدرك القارئ أنه أمام سيناريو عاطفي تكاد تكون ثيمة الحب هي الطاغية بين جوانب هذه الرواية، والقارئ الذي تناول روايات الكاتبة السابقة لا يمكن أن يعيش بمعزل عن فكرة هذه الرواية نتذكر روايتها «احببتك أكثر مما ينبغي» ورواية ثانية بعنوان «في ديسمبر تنتهي كل الأحلام» ورواية أخرى بعنوان «فلتغفري» التي تفيض جميعها بالرومانسية وتصور أنماطاً من العلاقات العاطفية وحالات من التناقضات والأحاسيس. في هذه الرواية ثمة علاقة وطيدة بين الحب والفقد.. الحب الذي أهدته «ياسمين» لزوجها مالك وابنها نهار والفقد الذي عاشت ترسباته في حياتها عندما مات والدها في حادثة سير. على حد قول الكاتبة: «أن تعيش الفتاة من دون أب في مجتمع كمجتمعها يعني أن تقف طول حياتها على ساق واحدة بحيث أن أي هبة هواء قد تطيحها» ومع هذا فإن «ياسمين» جاءت بعد مخاض طويل عاشته أمها، إذ قضت ما يقارب 22 ساعة في غرفة الولادة ومن هنا أدركت «ياسمين» قسوة هذه الحياة منذ اللحظات الأولى ومن ثم حياتها بعد فقد أبيها وحياتها مع زوجها نهار الذي ينحاز كثيراً لخيانة زوجته عبر علاقات مشبوهة ومحرمة. إنها حكاية جاءت بحبكة بسيطة لفتاة شرقية تستسلم لقسوة هذا الزمن وتعتبر مصارحة زوجها بخيانته أمراً غير محبب ومن هنا ندرك تلك الهزيمة التي تؤصل لخضوع المرأة في مجتمع اعتبر فيه أن رفع العين في وجه الرجل خطيئة كبرى، وأن الحديث معه حول مصيرهما ذنب لا يغتفر حتى أصبحت علاقتهما فاترة بفعل سلوك مالك: «بات الحب فقاعة صابون، فقاعة تكبر، تطير، تبهر، ومن ثم تنفجر فتنتهي وكأنها لم تكن». كما أننا لا يمكننا تغافل حال الفقد التي مرت بها «ياسمين» حينما تعرض والدها كما ذكرنا آنفاً لحادثة سير على إثره فقد الحياة وفقدت «ياسمين» حياة كانت تمثل لها خيمة تقيها لكمات الحياة وكانت تشكل لها مصيراً مملوءاً بالجمال لكنها بفقد الأب فقد فقدت ياسمين الأمل على اعتبار أن الأب هو الأمل على حد قول أحد الفلاسفة «الحياة أمل ومن فقد الأمل فقد الحياة» ومثل لها هذا الفقد اضطرابات في حياتها وأصبح طريقها مظلماً اختفت معه ذكريات جميلة بينها وبين والدها. إن المتتبع لحبكة هذه الرواية وبنيتها الفنية يرصد فيها كمية المشاعر المرتبطة بالحزن والبؤس والكآبة منذ أسطرها الأولى كما أنه سيرصد تقليدية الفكرة وانتماءها إلى روايات الحب والرومانسية وتشتت عقلية المرأة العربية التي تصطدم بواقعها الاجتماعي وبقيمتها ككائن له حياته ذات القيمة الاجتماعية والإنسانية. إنها حياة الاستسلام التي تعيشها ياسمين.. حياة الانكسار والهزيمة.. حياة الفقد المتمثلة في فقد والدها وابنها وحياتها التعيسة مع زوجها، على رغم قلبها المحب لكل ما حولها من جمال: «استسلمت.. قررت أن أرمي ما مضى خلفي وأن أعيش الحب كما لو أنه لم يمس ولم يكسر» لقد تنازلت ياسمين عن أشياء كثيرة في سبيل أن تكون حياتها مستقرة وفي سبيل أن ترضي قلب والدتها التي حذرتها من الطلاق الذي سيجر عليها حياة أخرى من الحزن. لقد آلم ياسمين حال زوجها الغارق في ملذاته وعلاقاته على رغم ما بينهما من حب يكرسه الابن «نهار» لكن هذا الابن أنهى ما ستؤول عليه حياته مستقبلاً حينما اتجه إلى نهايته (المسبح) وهما في غمرة خلافهما وآثر حياة الموت على أن يعيش حياة مزيفة لا يمكن علاجها. إنها رواية تنسلخ من عمق المجتمع الذي تعيش فيه الكاتبة مجتمع المدينة الصاخبة بكل ما فيها من صراعات وتحديات بين كائنين بشريين لكل واحد فيهما أحلامه وأمنياته على رغم استظهار حال الرجل الاستعلائية الخائنة والسلبية وتمثيل دور المرأة المسكينة والساذجة. وأن دهاليز هذه المدينة التي حددت الكاتبة بأنها «مدينة الرياض» شأنها في ذلك شأن كثير من المدن العربية تضج بمقومات الخير والشر وتنزاح لقيم الإنسانية حينا والرذيلة في أحايين أخرى.     * كاتب سعودي

مشاركة :