بيروت الفكر والفن تشعل أنوارها في بروكسل بقلم: عبدالله مكسور

  • 12/14/2016
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت الفكر والفن تشعل أنوارها في بروكسل لطالما شكَّل التأثير في آلية العمل الثقافي بالغرب هاجساً لدى المثقف العربي وللكثير من المؤسسات الثقافية، بهدف تغيير الصورة النمطية المسبقة التي يحملها الأوروبي عن العربي، في حوارنا هذا تكشف العرب عن فكرة وُلدت قبل خمسة عشر عاماً من اليوم في المملكة البلجيكية، لتكون اليوم واحدة من أهم المؤسسات التي تقدِّم الوجه العربي ثقافيّا وحضاريّا في الغرب، هي مؤسسة موسم الثقافية واشتغالها الثقافي من مقرها في مركز بوزار الشهير، هي محور حديثنا مع مديرها المبرمج الثقافي محمد اقوبعا. العربعبدالله مكسور [نُشرفي2016/12/14، العدد: 10485، ص(15)] التخطيط لتظاهرات ثقافية جديدة تواكب المنجز الإبداعي على بعد أمتار قليلة من “بوزار”، أحد أهم المسارح والمراكز الثقافية الأوروبية في العاصمة البلجيكية، بروكسل، تقع مؤسسة موسم الثقافية التي استطاعت خلال فترة قصيرة نسبياً أن تكون فاعلا أساسيّا في التخطيط والبرمجة الثقافية للفعاليات الثقافية العربية في بلجيكا. يبدأ حوارنا مع مدير مؤسسة موسم الثقافية، المبرمج الثقافي محمد اقوبعا المولود في تطوان بالمغرب عام 1963، والحاصل على بكالوريوس في القانون من جامعة فاس عام 1988، من النقطة التي تقف فيها المؤسسة التي يديرها اليوم، رحلة مدتها خمسة عشر عاماً هي تلك التي قطعتها موسم منذ تأسيسها حتى الآن حيث تعتبر فاعلاً أساسيّا في الثقافة البلجيكية، انتقلت موسم بين العديد من مدن بلجيكا، بدءاً من أنتويربن عاصمة الإقليم الفلاماني، مروراً بالعديد من المدن والعواصم الأوروبية، وصولاً إلى بروكسل المدينة ذات الثقافات والهويات المتعددة. التطورات والمؤثرات الخارجية التي نشهدها اليوم ستحمل أشكالا جديدة من الخطاب الإبداعي الذي يتطلب أسلوبا جديدا من البرمجة الثقافية الهوية الكونية يعتبر اقوبعا دور موسم يكمن في كونها حلقة وصل بين العوالم المختلفة، تلك التي تبدأ بالثقافة العربية التي تضم بين جنباتها التعدد والتنوع حتى الثقافة الأوروبية التي تبدأ بالضرورة أيضاً من بلجيكا، التي تحمل في ثقافتها التنوع والتعدد أيضاً، وصولاً إلى أرجاء القارة الأوروبية وبلدانها كافة، ففكرة الانفتاح على الآخر تتطلب بحسب ضيفنا التمسك بالهوية المحلية باعتبارها شأناً كونيّا عامّا، هكذا تبدو الصورة أوضح في اشتغال اقوبعا الذي يلعب اليوم دوراً هامّا من خلال موسم بالتأثير في المؤسسات الثقافية الأوروبية المختلفة. التأثير ينطلق بحسب ضيفنا من إيمانه العميق بضرورة الاستثمار في الثقافة، يبدو التعبير غريباً لكنه يقع في صلب خطط واستراتيجيات مؤسسة موسم، يضرب اقوبعا هنا مثالاً عن تأثير الثقافة الأوروبية في الشرق من خلال المعاهد المنتشرة في مدن عربية عديدة؛ غوته وثرفانتس وغيرهما في دمشق وبيروت وعمان والقاهرة ومراكش، فالاقتراب من الآخر والانفتاح عليه كما يرى اقوبعا لا يبدآن أو ينحصران في قراءة التاريخ واكتشاف السنوات الخالية، إنهما اكتشاف ينطلق من قراءة الأدب والشعر ومشاهدة السينما والمسرح، تلك الأعمال التي تحمل في طياتها كل المعاني الإنسانية التي يعتبرها ضيفنا الصورة الحضارية التي تحمل تاريخ المهمَّشين الذين أقصاهم التاريخ الرسمي المُدوَّن. بناء على هذا الحديث يرى اقوبعا أن الأدب العربي بقديمه وحديثه عبر كل العصور يحمل في جنباته صوراً مختلفة عن ثقافتنا المتعددة التي شهدت عبر حقب متتالية هزَّات كثيرة، يتابع اقوبعا تأكيده بأن التطورات والمؤثرات الخارجية التي نشهدها اليوم ستحمل في جعبتها أشكالاً جديدة من الخطاب الإبداعي الذي يتطلّب بالضرورة أسلوباً جديداً من البرمجة الثقافية التي تأخذ بعين الاعتبار هذه التغيرات. لهذا يرى ضيفنا أن المثقف العربي في الغرب هو من تقع على عاتقه قضية التشبُّث بالهوية الثقافية المحلية باعتبارها شأناً كونيّا، فالمحلية بحد ذاتها عنده هي مسألة كونية شاملة، يقارب ضيفنا هذه القضية مع قضايا حقوق الإنسان التي لا يمكن اعتبارها شأناً محليا خاصّا في المطلق، حديثه هذا يقودنا نحو تأطير دور المثقف العربي في الغرب، ليقول إنَّ هذا الدور في عتبتِه الأساسية يقوم على إيصال الصوت العربي الذي يعاني من النمطية عند الأوروبي وغيره، ولتحقيق هذه الرسالة يرى اقوبعا أن دور المثقف يتفوّق على دور السياسي بالرغم من كل العقبات التي تقف في طريق نشر الصورة الجمالية التي تحملها الثقافة العربية التي تقوم في جوهرها على مخاطبة الروح والقلب بينما يقوم الخطاب السياسي على مخاطبة العقول والمشاعر العابرة، هكذا تبدو قضية التشارك الإنساني همّا استثنائيّا في رسالة موسم التي تقوم على فتح آفاق جديدة للتفكير والتفاهم مع الآخر. الشرق والغرب محمد اقوبعا: الأدب العربي عبر كل العصور يحمل في جنباته صورا مختلفة عن ثقافتنا المتعددة التي شهدت دائما هزات كثيرة حديثه عن التقصير العربي يدفعنا إلى سؤاله عن مواصفات المبرمج الثقافي الناجح في فضاءات غير عربية، ليقول إن هناك شرطين أساسيين في أي مبرمج ثقافي يريد تحقيق التميز، الأول يقوم على ضرورة الدراية التامة والمطلقة بالدينامية الثقافية التي تتم بها عملية البرمجة، والثاني يعتمد على اكتشاف الوسط الذي يشتغل به وعليه المبرمج، يستحضر هنا ضيفنا نظرية جاكبسون في الاتصال وعناصرها المختلفة بين المرسل والمستقبل والسياق والشفرة ووسيلة الاتصال، فيؤكد اقوبعا على ضرورة اتفاق المرسل والمستقبل على ماهية وشكل الوسط الذي ينقل الرسالة المرجوة، فهذه يعتبرها الخطوة الأولى لنجاح أي عمل، فضلاً عن التفاهم التام على كيفية حل الألغاز والشفرة مهما كانت صورها، وفي أي شكل حضرت، سواء أكانت شعراً أم سينما، أم مسرحا، يصف هذه الخلطة السرية بالبسيطة المعقَّدة التي تتطلب صبراً وجهداً وتخطيطاً طويلاً للوصول إلى الأهداف المرجوة منها. يؤكد محمد اقوبعا أن ثنائية الشرق والغرب ليست ثنائية عدائية في المطلق، يصفها باللوحة المتكاملة التي يضيف كل جزء منها إلى الآخر بعداً جماليّا، و في حال غياب أحدهما فإنَّ اللوحة تبدو ناقصة أو مشوَّهة، ينسحب هذا أيضاً على ثنائية الاستشراق والاستغراب، فالإنتاج الإبداعي يجب ألا يحتكم إلى هذه الثنائية تبعاً للوجود الجغرافي للمبدع في الشرق أو الغرب مهما كانت الصورة النمطية التي يحملها كل طرف عن الآخر، بتفصيل أكثر يشرح محمد اقوبعا ضرورة التزام المبدع العربي بعدم ترسيخ ما يريده الغرب منه، فقط لأنه يريد تقديم المبدع بهذه الطريقة أو تلك، فالقضية هنا -حتى لو تعددت فضاءاتها الجغرافية- لا بد أن تحتكم، كما يراها ضيفنا، إلى الأولويات لدى المبدع سواء كان شاعراً أو مسرحيّا أو كاتباً أو سينمائيّا. في سبيل تقديم الصورة المشرقة للثقافة العربية تشتغل موسم اليوم على العديد من المبادرات والمشاريع سواء مع جهات أوروبية أو عربية، حيث تستعد الآن في إطار خطتها السنوية لاستضافة مدينة عربية في بلجيكا لمدة ثلاثة أسابيع يتم من خلالها تقديم ثقافة وتراث وإبداع هذه المدينة، ففي العام الماضي كانت تونس العاصمة، واليوم تستعد موسم لاستضافة بيروت بين الثاني والتاسع عشر من فبراير القادم، حيث سيتم بحسب اقوبعا تنظيم عروض مسرحية متنوعة ومعارض فنية عديدة وأمسيات موسيقية تشارك فيها الأوركسترا الملكية البلجيكية، فضلاً عن تقديم استضافات فنية إبداعية لكتَّاب لبنانيين خلال عام 2017. عن سؤالنا لماذا بيروت هذا العام؟ يجيب اقوبعا قائلا “لأن العاصمة اللبنانية تحتل مستوى رفيعاً على مستوى الفنون والآداب عربيا وعالميا، ولأنها مكان ينبض بالتعدد والتنوع والإبداع فقد كانت وماتزال قِبلةً للكثير من مبدعي الوطن العربي والعالم”. :: اقرأ أيضاً بطل روائي مصري يطهر نفسه على كرسي الاعتراف كاتب هندي يراقب الحياة اليومية المغربية في راوي مراكش مهرجان أثير للشعر العربي في عمان وأدونيس ضيف شرف بانوراما فنية وثقافية عربية وعالمية تلون أروقة البحرين

مشاركة :