إنعاش الاقتصاد التونسي لا يأتي من القروض والمساعدات الأجنبية، بل يكمن في القضاء على الفساد وتحسين مناخ الاستثمار لطمأنة المستثمرين. العربرياض بوعزة [نُشرفي2016/12/17، العدد: 10488، ص(10)] لا يرى التونسيون حتى الآن سوى ضوء خافت في نهاية نفق طويل من الأزمات الاقتصادية، منذ ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ولا تزال تركة السنوات الثقيلة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية تلقي بظلال قاتمة على الأوضاع الاقتصادية الحالية. ولا تزال الآمال ضعيفة رغم التحركات الحثيثة في الأشهر الأخيرة من هذا العام، والتي تمكنت الحكومة من خلالها من الحصول على قروض يقدر مجموعها بنحو 9.3 مليارات دولار لدفع عجلة نمو الناتج المحلي الإجمالي، التي ترجح تقديرات الحكومة وتوقعاتها بأنها لن تتجاوز في أقصى الحالات عتبة 1.6 بالمئة. وخلال المؤتمر الدولي للاستثمار (تونس 2020) أواخر الشهر الماضي، تمكنت الحكومة من جمع 6.5 مليار دولار كقروض من مؤسسات مالية وصناديق استثمارية عربية ودولية. وقبل ذلك بأشهر حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي، بقيمة 2.8 مليار دولار. وتسعى الحكومة إلى استخدام تلك القروض لإعطاء دفعة جديدة وقوية للنمو وحماية الفئات الضعيفة وتنمية القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق النمو المستدام وتوفير فرص العمل، لكن علامات الاستفهام تحاصر خططها في إنفاق القروض على النحو الأمثل، لكن الكثير من المحللين يشككون في قدرة القروض الخارجية على فك عقدة الاقتصاد التونسي المتعثر. وبإلقاء نظرة فاحصة على نشاط تونس في هذا المضمار يمكن القول إن الحلول التقليدية التي اتخذتها حكومة يوسف الشاهد لم تختلف عن مثيلاتها في الدول المجاورة؛ ما بين تقشـف وزيادة في الضرائب وتقليص الدعم الحكومي في قطـاعات الكهرباء والميـاه والغـاز وغيـرها من الخدمات، ثم الاتجاه للاقتراض الخارجي. هذا المبلغ الضخم من القروض، إن لم تتمّ الاستفادة منه بالطرق المناسبة وإدخاله في دائرة الاستثمار وفي كل القطاعات بلا استثناء وفق استراتيجية تطبق الحوكمة الرشيدة التي تنادي بها الحكومة، فلن يتمكن الاقتصاد التونسي من الخروج من نفق الأزمة الراهنة. وهذا يتطلب إرادة سياسية حكيمة قبل أن تكون إرادة اقتصادية رشيدة. وتونس تحتاج إلى تمويل أجنبي متزايد لتغطية عجز موازنة العام المقبل المتوقع أن يصل إلى نحو 5.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتقول الحكومة إنها تحتاج إلى قروض إضافية تقدر بحوالي 2.78 مليار دولار، رغم المخاوف من عبء هذه القروض التي سترهق كاهل الدولة وترهن مستقبل البلاد. وبحسب تقديرات وزير الاستثمار فاضل عبدالكافي فإن ديون تونس تصل إلى نحو 27.5 مليار دولار، ما يجعل أي زيادة أخرى خطرا إضافيا قد يضع البلاد على طريق الإفلاس إذا لم يتم ضخ تلك الأموال في استثمارات مربحة يمكنها تحقيق إيرادات جديدة للموازنة التونسية. النظرة التشاؤمية للوضع الاقتصادي في تونس لا يمكن تجاهلها، رغم أن المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية، يؤكد في أحدث تقاريره أن تونس قادرة على تحمل ديونها رغم الهشاشة الناجمة عن تنامي حجم الدين الخارجي، لأنها تمثل مستوى معتدلا من المخاطر، فيما يظل دينها الخارجي ممكن السداد على المدى المتوسط. ولم تحدد دراسة المعهد مدى قدرة تونس على المزيد من الاقتراض. وهذا في حد ذاته مشكلة. إذ أن الرؤية الضبابية للمستقبل لا تزال متذبذبة وغير واضحة، وأغلب تصنيفات الوكالات الائتمانية العالمية تشير إلى ذلك، وهو ما يجعل معرفة أين ستصرف تلك القروض أمرا في غاية الصعوبة بالنسبة إلى التونسيين. هناك شكوك كثيرة تحوم حول تحويل الحكومة الحالية للبعض من المبالغ الضخمـة المعلن عنها خلال مـؤتمر الاستثمار إلى مشاريع فعلية وملموسة، يتجسد فيها تطـوير البنية التحتيـة المتهالكة وإحداث ثورة صناعية في كافة القطاعات وفي كـامل منـاطق البـلاد. فقد حصلت تونس في السابق على وعود شبيهة كالتي حصلت عليها، مثلا خلال قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى العام الماضي، ولكـن لم يتحقق منها شيء إلى حد الآن. إن الحلول المثلى في أي أزمة اقتصادية لا تكمن في التوجّه إلى الخارج لطلب القروض والمساعدات بل تكمن في تعزيز مناخ الاستثمار الذي يطمئن المستثمرين المحليين والأجانب. وفي سبيل ذلك ينبغي القضاء على الفساد والبيروقراطية الإدارية والتركيز على التنمية في القطاعات الاستراتيجية للدولة. كما ينبغي على الحكومة التركيز على التنمية الزراعية واستغلال المخزون الهائل من الفوسفات وعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص واعتماد خطة محكمة لتطوير قطاع السياحة حتى يعمل في كل الظروف. تبدو الظروف ملائمة لإحداث هزة كبيرة في الاقتصاد التونسي والدفع به إلى الأمام لأن الأعذار التي كانت تهيمن على الخطابات السياسية لم تعد موجودة. فهناك حزمة كبيرة من القوانين تضمن تسريع وتيرة النمو والقضاء على البطالة التي بلغت مستويات قياسية وصلت إلى نحو 15.6 بالمئة، أي ما يعادل 630 ألف شخص، بحسب الإحصائيات الرسمية. هناك إجماع عالمي اليوم على أن تونس أصبحت من أنجح الديمقراطيات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فمتى تنهض تونس من ركودها الخانق؟ صحافي تونسي رياض بوعزة :: مقالات أخرى لـ رياض بوعزة هل تنجح القروض في فك عقدة اقتصاد تونس, 2016/12/17 بتروفاك تغادر تونس بعد نفاد صبرها على الاحتجاجات , 2016/12/15 تونس في مواجهة التقشف الحتمي في 2017 , 2016/12/13 برلمان تونس يحبط خطط الحكومة لإصلاح الاقتصاد, 2016/12/10 دول أوروبية تعلن استئناف رحلاتها السياحية إلى تونس في 2017, 2016/12/07 أرشيف الكاتب
مشاركة :