لعل الكلام عن البذخ والإسراف عن حجم الانفاق على الاحتفالات الخاصة، والزواجات، من الكلام المستهلك الذي يزعج السمع بحديث ممل ومقزز، فطعن كبد الكرم الحقيقي بملايين الريالات من اجل إبراز كرم زائف، قصص تثبت التناقض، والنفاق، وعدم احترام النعمة، وشكر ربها، إلا أن في الهند الصديقة، جاءتنا قصة كرم وإحسان، لم ترد في خلد كرماء العرب، أهل الكرم والشهامة، فكرمنا العربي مضرب أمثال بعدد القتلى والمصابين، وربما الأسرى، قتل الأنعام الزائد، وإصابة الأرض بوجع النفايات، وأسر النفوس المنكسرة بحسرات العوز والحاجة، أما الكرم الهندي فقد أحيا ثقافة الإحسان، والعطف على الضعفاء والمساكين. ثري هندي يبني 90 منزلا للمشردين احتفالا بزفاف ابنته، فقد قرر رجل أعمال هندي إنفاق الأموال المخصصة للاحتفال بزفاف ابنته، في بناء منازل للمشردين تضمهم من شتات الشوارع، وغلاء الإيجارات، السيد أجاي ماهاراشترا الهندوسي وضع مبلغا من المال من أجل مراسم زواج ابنته، وبعد ان وجد ان هذا المبلغ كبير جدا، قرر توجيه هذه الأموال إلى مساعدة الفقراء، ودعمت ابنته وزوجها القرار، وقالت العروس: انا سعيدة جدا باتخاذ هذا القرار، وهو بمثابة هدية الزواج.. الحكمة ضالة المؤمن فمهما كانت ديانتها، أو أرضها فهو أحق بها، أصدقاؤنا الهندوس قدموا لنا درساً في الإحسان، لعله يحرك بنا شعور التضامن، والتكافل، بعد أن مر الكثير من الغبار على هذا الشعور.. صدقاتنا خاصة في احتفالات باذخة الكرم، فبدلًا أن تذهب بقايا الطعام إلى حاويات النفايات، توجه إلى بطون الضعفاء، ولسان حال محسنينا يقول: الفقراء أحق بالطعام من الزبالة!! فكرمنا خاصة في الزواجات، يتوقف عند من هو المهم النفايات، أم الفقراء، ومن يفضل الجائع على الزبالة، فذاك الكريم المحسن الذي شكر نعمة ربه.. أما فعل الثري الهندي الكريم، فهذا عمل يحتاج إلى إستراتيجيات، ولجان، وآلية توزيع، وأولوية استحقاق، وهذا أمر خاص بعمل الحكومة، مال الأعراس والمعرسين دخلا فيها فكلنا في ذمة الحكومة، وكلنا امام صدقاتها مشردون، فالتاجر يسابق الضعيف للحصول على هبات هذا الكرم، فالتاجر يجهز حجته قبل صدقته، وإن غلبت الحجة، أعفى الصدقة من الظهور، فتجارنا أصبحوا محترفين في قضايا الجدل، فقد تغلبوا على جميع مقدمي البرامج الحوارية في الفضاءات العربية، هات كلمة واستلم عشرا.. أما الصواني التي سدح عليها البعارين، والخراف، حتى اصبحت أكثر من عدد المعزومين - فكأن هؤلاء المدعوين يريدون أن يرعوا بها لا أن يأكلوها – فهذا موائد الكرم الحاتمي الأصيل، التي تفرق بين البخيل والكريم.. قليل من مشاعر هذا التاجر الهندي الهندوسي، ونحصل على المشاعر الحقيقية للصدقات، وننفض الغبار الذي ملأ أنفسنا بوهم استعراض الثراء، يا تجارنا الكرماء اصحوا، فالحكمة أصبحت هندوسية.
مشاركة :