بعد أن كانت البؤر الاستيطانية (غير الشرعية تبعاً للتسمية الإسرائيلية)، التي تمت إقامتها على أراضٍ فلسطينية، سواء التي يقوم بإنشائها المستوطنون أنفسهم، أو التي تقوم بإنشائها الحكومات الإسرائيلية (يسارية أو يمينيّة) لأهداف أمنية أو انتقامية، أو لتحقيق مكاسب سياسية، بعد أن كانت معلومة للجميع، سواء من حيث أمكنتها أو تواريخ إنشائها أو أحجامها والغرض منها، (وكل ذلك لم يكن مقتصراً على متابعات فلسطينية، كونها صاحبة مشكلة، وإنما لمهارات إسرائيلية أيضاً باعتبارها يسارية مُعارضة وحقوقية وإنسانية أخرى، حيث كان لها الفضل البارز، في كشف نشاطات استيطانية في أماكن يُحظر على الفلسطينيين التجوال فيها أو الدخول إليها، ومخططات استيطانية مختلفة)، أصبحت تلك البؤر في هذه الأثناء (في عين اليقين)، باعتبارها شرعية. وذلك بعد أن قامت المؤسسة التشريعية الإسرائيلية (الكنيست) بتمرير مشروع قانون يقضي بشرعنة تلك البؤر والتمركزات الاستيطانية الأخرى؛ حيث وافق النواب المشرّعون - 58 مقابل 51 صوتاً- على اقتراح تمهيدي يقضي بتقنين وشرعنة عشرات المستوطنات، التي أنشئت على أراضٍ فلسطينية خاصة، وهي مقدّمة على تكملة الإجراءات القانونية المتبعة، مع توقع أن يتم تمرير المشروع بقراءاته الثالثة والأخيرة حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي. ينص مشروع القانون على اعتراف الحكومة بالمستوطنات الموجودة على أراضٍ فلسطينية في أنحاء الضفة الغربية، والتي تمّت بحسن نيّة، أي دون العلم بأن هذه الأراضي مملوكة لأفراد فلسطينيين، وعلى أساس ضرورة تلقّي المستوطنين مساعدات حكومية، سواء كانت مباشرة أو ضمنيّة، والتي من شأنها المساهمة في توفير بنية تحتية مناسبة، بما أنها تقع تحت صلاحية الوزارات الحكومية، وبالمقابل يمكن للحكومة مُصادرة أراضٍ فلسطينية جديدة، لاستخدامها تبعاً، سواء في حال معرفة أو عدم معرفة هوية المالكين لها، في مقابل منحهم تعويضات نهائية أو سنوية، أو إعطائهم أراضي بديلة. تمرير الاقتراح لم يكن سهلاً؛ حيث تم إقراره بعد جدلٍ وصراخ شديدين، نشآ بين المؤيدين والمعارضين له؛ حيث اعتبره المؤيدون بمثابة خطوة هامة من أجل السيطرة على أجزاء من إسرائيل، تعم فيها الفوضى منذ أكثر من 50 عاماً (أرض إسرائيل ملك شعب إسرائيل)، فيما رأى المعارضون، وبضمنهم النواب العرب، أن المشروع يعتبر أخطر قرار تتخذه تل أبيب؛ لأنها بذلك تمهد لضم المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وخصوصاً المتمركزة في المنطقة (ج)، البالغة مساحتها 60% من الضفة إلى إسرائيل، إلى جانب ضم القدس الشرقية المحتلة، وهذا يُعد مُخالفاً للقوانين الدولية، ويقتل العملية السياسية، وقد يؤدي إلى ملاحقة مسؤولين إسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية. على أي حال، فإن التوجه الإسرائيلي في هذا المجال، وبشكلٍ اندفاعي، يعني المضي قدماً في التخليص على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ومن غير حساب لأحدٍ، وقد كان المتشدد وزعيم حزب (إسرائيل بيتنا) أفيغدور ليبرمان أقل قسوة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي بدا أكثر حمائمية بخصوص قضايا مهمّة، وخصوصاً بشأن تقنين المسألة الاستيطانية. فبينما اقترح "ليبرمان" ضرورة التوصل إلى صفقة مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، بشأن العملية الاستيطانيّة ككل، أعلن نتنياهو، أمام منتدى (سابان لسياسة الشرق الأوسط السنوي)، أن الولايات المتحدة لا تحكم سياسة إسرائيل الاستيطانية، وكما لم تُغير إدارة أوباما في الماضي هذه الأنشطة، فإن إدارة ترامب القادمة لن تغيّرها أيضاً، وأن إسرائيل بوسعها أن تفعل ما تشاء. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :