لماذا تلجأ الدول إلى تدابير تقشفية؟ وهل تنجح؟

  • 12/24/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تلجأ الدول إلى التقشف لخفض الإنفاق، وغالباً ما يكون ذلك بتقليص الخدمات العامة، وزيادة الإيرادات الضريبية أو كليهما. وتتخذ عادة تلك الخطوات القاسية من أجل خفض عجز الموازنة ومحاولة تفادي أزمة ديون، ومن غير المرجح أن تستخدم الحكومات تلك التدابير إلا إذا كانت مضطرة إليها من جانب سوق السندات أو غيره من المقرضين. وتشمل عادة إجراءات التقشف التدابير التالية: تحديد مدد إعانات البطالة، تمديد سن الأهلية للحصول على مزايا التقاعد والرعاية الصحية، خفض أجور وأعداد الموظفين العاملين بالقطاع الحكومي، وتقليص حجم برامج الإعانة للفقراء. وتشمل أيضاً تدابير التقشف، الزيادات الضريبية: زيادة ضريبة القيمة المضافة، رفع معدل الضرائب على الدخل وخاصة على الأثرياء، تضييق الخناق على الاحتيال والتهرب الضريبي، وأخيراً الخصخصة، وذلك من خلال بيع الشركات المملوكة للحكومة، وعادة ما تكون تلك الشركات تعمل بالصناعات التي تعتبر حيوية بالنسبة لمصالح الدولة، مثل المرافق العامة والنقل والاتصالات. إجراءات أخرى تستهدف الحد من اللوائح التي تحمي العمال من أجل خفض تكاليف الأعمال وهي: رفع بعض إجراءات الحماية للعمال ضد عمليات إنهاء الخدمة غير المشروعة، تقليل أو إلغاء الحد الأدنى للأجور، وزيادة ساعات العمل. لماذا تلجأ الدول إلى تلك التدابير؟ تلجأ البلدان عادة إلى مثل هذه التدابير من أجل تفادي أزمة الديون السيادية، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، حينما يشعر الدائنون بالقلق حول قدرة البلاد على سداد ديونها. وعادة ما يحدث ذلك حينما تتجاوز نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نسبة 90 في المئة، وهو ما يعني أن الدين أصبح تقريباً بقدر ما ينتجه اقتصاد البلاد في السنة، ليبدأ الدائنون في المطالبة برفع أسعار الفائدة من أجل تعويضهم عن المخاطر العالية التي يتحملونها بحيازتهم لتلك الديون، ويعني ارتفاع أسعار الفائدة ارتفاع تكلفة إعادة تمويل الدولة لديونها. وعندما تصل الدولة إلى النقطة التي تدرك عندها أنه لا يمكنها خدمة تلك الديون، تتحول هذه الدول إلى بلدان أخرى من أجل الحصول على قروض أو إلى صندوق النقد الدولي في مقابل عمليات إنقاذ يفرضها المقرضون الجدد والتي تتطلب عادة تدابير تقشفية. وتستخدم أيضاً تدابير التقشف من أجل استعادة الثقة في طريقة إدارة الحكومة لميزانيتها، حيث تستهدف الإصلاحات المقترحة رفع مستوى الكفاءة ودعم القطاع الخاص، وعلى سبيل المثال تشمل هذه الإجراءات استهداف المتهربين من الضرائب، وهو ما يوفر المزيد من العوائد الضريبية، مع دعم الملتزمين بدفعها. ويمكن أيضاً أن تشمل عملية خصخصة الصناعات المملوكة للدولة جلب الخبرات الأجنبية، وتشجيع المخاطرة وتوسيع الصناعة نفسها. ويسهم أيضاً اعتماد ضريبة القيمة المضافة في تقليل حجم الصادرات وجعلها أكثر تكلفة، وهو ما يحمي الصناعة المحلية، ويسمح لها كذلك بالتوسع والمساهمة في النمو الاقتصادي. دول خاضت التجربة اليونان: استهدفت تدابير التقشف في اليونان الإصلاح الضريبي، وشمل هذا إعادة تنظيم هيئة تحصيل الضرائب من أجل تضييق الخناق على المتهربين، حيث قامت بخفض أعداد المكاتب التابعة لها ووضع ما يسمى بـ «أهداف الأداء» للمديرين، واستهدفت الهيئة في شكلها الجديد 1700 من الأثرياء والأفراد العاملين لحسابهم الخاص لمراجعة حساباتهم. الاتحاد الأوروبي: ساد قلق من عدوى انتشار أزمة الديون اليونانية إلى بلدان أخرى، وذلك في الوقت الذي استثمر فيه العديد من البنوك الأوروبية في الشركات اليونانية والديون السيادية. وما أسهم في زيادة حدة الأزمة هو أن بلدانا أخرى مثل أيرلندا والبرتغال وإيطاليا كانت أيضاً هي الأخرى قد تجاوزت حدود الإنفاق الآمنة في محاولة للاستفادة من معدلات الفائدة المنخفضة كأعضاء في منطقة اليورو. إيطاليا: في عام 2011 أعلن رئيس الوزراء في ذلك الوقت «سيلفو برلسكوني» زيادة رسوم الرعاية الصحية وخفض الدعم للحكومات المحلية، وكذلك خفض حجم المزايا الضريبية والمعاشات التقاعدية للأثرياء. وبعد خروجه من مكتب رئاسة الوزراء في الثاني عشر من نوفمبر عام 2011 قام خليفته «ماريو مونتي» برفع معدلات الضرائب على الأثرياء، وكذلك رفع سن المعاش ليقوم بذلك بقيادة حملة ضد المتهربين من الضرائب. أيرلندا: في عام 2011 خفضت الحكومة رواتب موظفيها بنسبة 5 في المئة وقلصت كذلك استحقاقات الرعاية الصحية للأطفال، فضلاً عن إغلاقها عددا من مراكز الشرطة. إسبانيا: تم تجميد رواتب العاملين بالحكومة وتخفيض الميزانيات بنسبة 16.9 في المئة وزيادة الضرائب على التبغ بنسبة 28 في المئة. ألمانيا: في عام 2012 كشفت الحكومة الألمانية عن نيتها تخفيض العجز في ميزانيتها بنحو 80 مليار يورو، وشملت خطط الحكومة خفض الدعم المقدم للوالدين، وتقليل عدد الوظائف الحكومية بنحو 10 آلاف وظيفة في غضون أربع سنوات. تدابير التقشف لا تنجح عادة لأنها في أكثر الأحيان تحد من النمو الاقتصادي، وهو ما يسهم في انتقال الدين العام للدولة إلى مرحلة أسوأ. ففي عام 2012 أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً يفيد بمساهمة تدابير التقشف في منطقة اليورو في تباطؤ النمو الاقتصادي وتفاقم أزمة الديون. وعلى الرغم من ذلك، دافع الاتحاد الأوروبي عن تلك التدابير، مشيراً إلى أنها قد ساعدت في استعادة الثقة في الطريقة التي تدار بها هذه البلدان، فعلى سبيل المثال هدأت إجراءات خفض الميزانية في إيطاليا من القلق لدى المستثمرين، وهو ما دفعهم إلى قبول عوائد بنسب أقل مقابل مخاطرتهم بحيازة السندات الإيطالية، وهو ما سهل الأمر على الحكومة هناك عندما أقدمت على تجديد ديونها قصيرة الأجل.

مشاركة :