تحدثت قبل أيام في ندوة حول التحديات التي تواجه دولة الكويت، وقد دار الحديث حول محاور وقضايا عدة ابرزها؛ التحديات السياسية وحل الأزمة السياسية القائمة منذ العام 2006، وتحدي مواجهة التضييق على حرية الرأي وغيرها من الحريات العامة؛ وكيفية التصدي للهجمة على المستوى المعيشي؛ وكيف أن وثيقة الاصلاح المالي والاقتصادي التي تقدمت بها الحكومة ليست سوى دعوة لبيع قطاعات الدولة بالجملة على القطاع الخاص من دون دراسة لأثرها على مستوى معيشة المواطن البسيط، إلا أن هذه التحديات ليست الا تحديات للمرحلة الحالية فقط، بينما التحدي الأكبر والأقدم هو بناء دولة الكويت الحديثة. هذا المشروع الذي بدأ منذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي بعد التوافق بين الشعب والحكم والذي توّج بإقرار دستور دولة الكويت هو الهدف بعيد المدى لنا جميعاً، وهو ما نتمنى تحقيقه يوماً ما، فالدولة الحديثة تعني دولة المؤسسات والقانون حيث يكون جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، فينظم الدستور والقانون علاقتهم بالدولة من دون تمييز بينهم، حسب المذهب او العرق أو «المصلحة»... دولة مدنية ديموقراطية تكون فيها السيادة للأمة عبر برلمان يمثلها لا يمثل عليها. في الحقيقة أن تحدي بناء الدولة الحديثة هو تحدٍ بعيد المدى، والتحديات الحالية التي تواجهنا في الكويت لا يمكن التصدي لها بجدية ما لم يواجه المجتمع مشكلة التعصب الطائفي والقبلي التي بدأت تمزقه شيئاً فشيئا... فالتعصب للقبيلة أو الطائفة لن نجني منه الا التفكك والكراهية، ولا يمكن من خلاله بأي حال من الأحوال أن نبني وطناً، ولنا في من حولنا من الدول التي كرست الطائفية خير مثال. نحن اليوم نعاني من هذه المشكلة التي نحتاج أن نواجهها بكل حزم، بعد أن نفهم أسبابها وجذورها، فالتعصب للمكونات الاجتماعية لا يأتي صدفة، بل يأتي بسبب الشعور بالخوف وانعدام الثقة بالقانون والاحساس بأن هناك تمييزاً لفئة دون أخرى، فترى المواطن يلجأ لأسرته ثم قبيلته ثم طائفته لرفع الظلم عنه أو لكي يأخذ حقاً حرم منه، وشيئاً فشيئا يبدأ بالتعصب لهذا المكون الاجتماعي أو ذاك. من المؤسف أننا نرى العديد من السياسيين يستخدمون سلاح التعصب لنيل مكاسب ضيقة، والطامة الكبرى أننا نجد ممن بيده السلطة موافقة ومسايرة لهذا النهج، فالحكومة عندما تنحاز لفئة ضد أخرى لتمرير مشروع قانون أو قرار معين، فانها تشارك بقوة بزرع التعصب، ناهيك عما تقوم به من محاصصة في توزيع الوزارات أو المناصب، لذلك فإن حل مشكلة التعصب ليس بيد الأسرة أو العائلة فقط، بل يجب كذلك على الحكومة أن تنتبه لخطورة هذه الاداة التي تستخدمها. في النهاية سأوجه رسالتين، الأولى للمواطنين؛ لنتحمل المسؤولية ونبدأ بنشر الوعي ونرفض التعصب، لنبدأ بأنفسنا، بأبنائنا واهلنا وابناء طائفتنا، نحن جميعاً كويتيون مواطنون متساوون بالحقوق والواجبات لا فرق بيننا! والرسالة الثانية للحكومة؛ احذروا من استخدام التفرقة كسلاح لكسب جولات سياسية فنحن جميعاً في مركب واحد والتفرقة لن تؤدي بنا الا للتناحر والكراهية والغرق، فإن غرق المركب غرقنا جميعاً والذنب الأكبر سيكون عليكم لأنكم من يملك السلطة. dr.hamad.alansari@gmail.com twitter: @h_alansari
مشاركة :