المتأمل لأحوال منطقتنا العربية، سيجد أنها تمر بمرحلة شديدة الخطورة، وغير مسبوقة عبر تاريخها الممتد، وذلك في ما يخص النزاعات والصراعات التي تحدث بعنف وقسوة من دون أن يكون هناك بارقة أمل في إخمادها. هذه الصراعات والنزاعات والحروب المجانية تقام في مواقع متفرقة من منطقتنا العربية، وبدلا من أن يكون هناك حكماء ومنصفون يقفون في صفوف وقود هذه النيران الملتهبة وهم الفقراء والأطفال والمغلوبون على أمرهم، نرى التحيز والتجاذب والتشجيع والتبرير من قبل كل فريق على حدة ضد الفريق الآخر، وكأننا في ملعب كرة، وليس في ساحة حرب تلتهم الصغار ولا تبقي على السلام وتشرد الأسر، وتذل من تذل، وتقهر الرجال، وتهدم الحضارات، وتقوض الأمن والأمان، وتطفئ جذوة الحب. إنها الحروب التي لا يعي كنهتها ويخبر طعمها إلا من تجرعها تجرعا، وعاش مأساتها، واكتوى بنيرانها، وسهر سواد ليلها، وعهد هول أحداثها. إنها الحرب التي تحولت إلى ملمح مهتز وقاس في منطقتنا العربية، ولا يفيد في هذه الحالة التجاذبات والولاءات لطرف على حساب طرف آخر، ولكن المفيد أن نجتمع على قلب واحد يسعى هذا القلب إلى وقف هذه الفتنة التي لا يتضرر منها سوى الأطفال والنساء والمغلوبين على أمرهم وكبار السن، بينما يظل الكبار الذين يقودون هذه الحروب ويشجعونها في مأمن هم وأسرهم وأولادهم. إننا نشاهد من خلال القنوات الفضائية ومواقع التوصل الاجتماعي وغيرها، صورا تدمي القلوب وتهز المشاعر لضحايا هذه الحروب، بينما نجد هناك من يستثمر هذه الصور المؤلمة بطريقته الخاصة، فكل فريق يريد أن يحول المردود النفسي والعاطفي من هذه الصور في الطريق الذي يخدم مصلحته، وكل يرمي باللائمة في مرمى الآخر، ولكن هذا لن يخفف من الألم ولن يطفئ النيران المستعرة في الأبدان الإنسانية التي تريد أن تعيش كبقية الأبدان، ولن يساعد الأطفال المشردين على استعادة براءتهم ورغباتهم في أن يعيشون مثلما يعيش الأطفال في مختلف بلدان العالم، يلهون ويلعبون ويدخلون المدارس، ويأكلون ما تجود به الحياة من خيرات، لا يريدون أن يشردوا ويفقدوا أحلامهم، ويقتلوا بدماء باردة، ويشردوا في كل بقاع الأرض. إنني ادعو كافة الأطراف وكافة المنحازين والمشجعين لمثل هذه الحروب بالتوقف قليلا عند منطقة الضمير، كي يعيدوا حساباتهم، فالعمر ليس بطويل، والحياة لا يخلد فيها أحد، وهي تتسع للجميع، وليس في وسع أحد أن يمتلك كل شيء ثم يأخذه معه إلى قبره الضيق الموحش. إننا أدعو- الجميع في كل أرجاء الأرض لوقفة ضمير وقفة عقل... من أجل إيجاد حلول لهذه المأساة التي ضربت منطقتنا العربية، وكذلك لمسألة الإرهاب الذي أصبح بوجهه المخيف المرعب الغامض، أداة للقلق وعدم الأمان، نريد أن نسعد بأعيادنا وأيامنا ونحن على يقين بأن الأطفال في كل العالم يعيشون حياتهم الطبيعية التي نتمناها لهم. حقيقة نريد أن نتنفس السلام، ونعيش الأمان ونمشي على أرض ممهدة لا تملؤها الحفر والأخاديد، ولا ينشر فيها الإرهاب خوفه... نريد أشياء كثيرة ولكن... «ما كل ما يتمنى المرء يدركه»! * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :