شرعت موريتانيا والمغرب في فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما بعد الهزة التي حدثت بسبب تصريحات أدلى بها الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي حميد شباط قال فيها إن «موريتانيا أرض مغربية»، وجدد رئيس الحكومة المغربية المكلف عبد الإله ابن كيران أمس رفض المغرب لهذه التصريحات، وقال إن «المستقبل سيعرف تحسن العلاقات بين البلدين». وكان ابن كيران قد التقى أمس بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مدينة أزويرات، أقصى شمال شرقي موريتانيا، حيث سلمه رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، قبل أن يدلي بتصريح مقتضب للصحافة أكد فيه أن «العلاقات بين البلدين وطيدة وقوية وراسخة منذ القدم». وقال ابن كيران إن «جلالة الملك محمد السادس يولي اهتمامًا خاصًا لتطوير العلاقات مع موريتانيا، فموريتانيا كما لا يخفى دولة شقيقة وعزيزة، ولها مكانة خاصة بالنسبة للمملكة المغربية، وتجمعها مع المغرب روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك»، مشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين «ترتكز على أسس راسخة من الاحترام المتبادل والرؤية الصادقة، والتعاون المثمر وحسن الجوار البناء». وفي سياق حديثه عن تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي، التي أثارت موجة غضب عارمة في موريتانيا، ورد عليها حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم في موريتانيا ببيان حاد اللهجة، قال ابن كيران إنها «تصريحات غير مسؤولة ولا تتماشى مع الدبلوماسية المغربية، وهذه تصريحات لا تعبر إلا عن رأيه الشخصي، ولا تعبر أبدا لا عن رأي جلالة الملك ولا عن رأي الحكومة ولا رأي الشعب المغربي»، وفق تعبيره. وعبر رئيس الحكومة المغربية عن تفاؤله حيال تطوير العلاقات بين البلدين، وقال في هذا السياق: «ربَّ ضارة نافعة»، في إشارة إلى تصريحات شباط، قبل أن يؤكد أن «المستقبل سيعرف تحسين العلاقات بين البلدين، ليشعر المواطن الموريتاني في المملكة المغربية بأنه يتمتع بالحقوق كافة، ويتيسر له كل ما يحتاجه في بلده الثاني المغرب، والشيء نفسه بالنسبة للمواطن المغربي عندما يكون في موريتانيا». وأنهى ابن كيران زيارته الخاطفة لموريتانيا، فيما بقي الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة في العاصمة نواكشوط، حيث من المنتظر أن يلتقي عددا من المسؤولين الموريتانيين في إطار التحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية - الموريتانية، والتي يعود آخر اجتماع لها إلى أبريل (نيسان) 2013. وتشير مصادر أخرى إلى أن البلدين سيقطعان خطوات جديدة من أجل إنهاء حالة الجمود، التي شهدتها علاقاتهما في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال تبادل سفراء جدد، خصوصا بعد وفاة السفير المغربي في نواكشوط عبد الرحمن بنعمر قبل أيام، فيما سبق أن قلصت موريتانيا مستوى تمثيلها الدبلوماسي في المغرب إلى قائم بالأعمال. وتحدث مراقبون عن نجاح زيارة رئيس الحكومة المغربية إلى موريتانيا، إذ إن الرئيس الموريتاني قطع إجازته في صحراء الشمال الموريتاني من أجل استقباله شخصيًا، وتسلم رسالة العاهل المغربي، كما أن هذا الاستقبال يأتي بعد محادثات هاتفية أجراها العاهل المغربي أول من أمس مع الرئيس الموريتاني، ضمن خطوات قامت بها الدبلوماسية المغربية لتجاوز «سوء الفهم»، الذي أثارته تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال حول موريتانيا. وكانت وزارة الخارجية المغربية قد أصدرت بيانًا أكدت فيه رفض المغرب لتصريحات شباط، مشيرة إلى احترام الحدود والوحدة الترابية لموريتانيا، وفق ما ينص عليه القانون الدولي، وهو الموقف نفسه الذي أكده الملك محمد السادس في مباحثاته الهاتفية مع الرئيس الموريتاني، قبل أن يشير إلى تطلع بلاده نحو تطوير العلاقات بين البلدين، وهو الموقف الذي كان محل اتفاق من الرجلين، إذ أكدا «عزمهما الحفاظ على العلاقات أمام كل محاولة للمس بها، أيا كان مصدرها أو دوافعها»، وفق ما جاء في بيان صادر عن الديوان الملكي المغربي مساء الثلاثاء. وأضاف البيان ذاته أن الملك قرر إيفاد رئيس الحكومة إلى الرئيس الموريتاني من أجل «تبديد كل سوء فهم قد يكون له تأثير سلبي على العلاقات الممتازة القائمة بين المغرب وموريتانيا». من جهة أخرى، عبرت أحزاب سياسية وهيئات في المجتمع المدني بموريتانيا عن ارتياحها للخطوات التي قام بها المغرب لتلافي أزمة دبلوماسية مع موريتانيا، مؤكدين أنها توضح مستوى النضج الدبلوماسي، وأنها دليل على أن العلاقات بين البلدين راسخة، ويجب أن تبقى متميزة وبعيدًا عن أي توتر. وقال المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أكبر ائتلاف سياسي معارض في موريتانيا، في بيان صحافي إن المواقف التي عبر عنها المغرب «هي المنتظرة من المملكة الشقيقة، وتمليها العلاقات والروابط المتعددة الأبعاد التي تجمع بين الشعبين والبلدين الشقيقين»، قبل أن يؤكد على ضرورة أن تبقى «العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين الموريتاني والمغربي فوق كل التجاذبات الظرفية والحسابات الضيقة»، وفق تعبيره.
مشاركة :