الدراما السورية تتأرجح بين التلقين والنأي عن الأحداث الجارية بقلم: ناهد خزام

  • 12/29/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الدراما السورية تتأرجح بين التلقين والنأي عن الأحداث الجارية كان لأحداث الثورة السورية انعكاسها الملحوظ على الدراما التلفزيونية السورية، والتي استطاعت فرض نفسها منذ تسعينات القرن الماضي على الشاشات العربية حتى صارت منافسا قويا للدراما المصرية، بل وتفوّقت عليها في عدد من الجوانب، إلّا أنها شهدت بعض التراجع بحلول عام 2011، لكنها استردت القليل من عافيتها في سنة 2016. العربناهد خزام [نُشرفي2016/12/29، العدد: 10498، ص(16)] البيئة الشامية تفتقد إلى التجديد والكوميديا بلا روح مثلت الأعمال التاريخية ذات الكلفة الإنتاجية الكبيرة إحدى مميزات الدراما السورية في العشريتين الأخيرتين، إلى جانب التنوع في تناول العديد من المواضيع والقضايا الاجتماعية الشائكة، ومنذ عام 2011 بدأت الدراما السورية في التراجع بوتيرة مطردة بلغت ذروتها خلال العام الماضي (2015) الذي شهد تراجعا كبيرا في عدد الأعمال الدرامية المنتجة، سواء على مستوى الداخل السوري أو في الخارج. وفي المقابل، عرفت الدراما السورية بحلول عام 2016 طفرة كبيرة في حجم الإنتاج الدرامي، فقد تخطت الأعمال الدرامية المنتجة خلال هذا العام أكثر من ثلاثين عملا دراميا مقابل ستة عشر عملا فقط خلال العام الذي سبقه. عراقيل تسويقية يبدو الأمر لأول وهلة أنه نوع من التعافي الفني بعد سنوات من الضربات المتلاحقة التي أصابت الإنتاج الدرامي السوري خلال خمس سنوات منذ اندلاع الثورة السورية، ولا تخفى على أحد ملامح هذه الصعوبات المتمثلة في العراقيل التسويقية الناجمة عن جراء حالة الاستقطاب السياسي التي سيطرت على الغالبية العظمى من القنوات التلفزيونية العربية من المحيط إلى الخليج، وهي حالة استقطاب تعدّ انعكاسا للداخل السوري، طالت حتى الوسط الفني، وكان لها مردودها على نزوح عدد كبير من صناع الدراما السورية؛ ممثلين ومخرجين وفنيين على حدّ سواء، هذا بخلاف الجمهور العريض المتابع للدراما السورية في الداخل والخارج. "بلا غمد" يكرس وجهة نظر النظام والجدير بالذكر أن هناك عددا من الفنانين السوريين قد اعتقلوا أو قتلوا في أحداث الثورة من جرّاء القصف والقتل العشوائي أو الممنهج، منهم على سبيل المثال الممثل ياسين باقوش وسوزان سلمان ومحمد رافع وفهد نجار وآخرون. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل يمثل هذا العدد الكبير من الأعمال الدرامية السورية في عام 2016 تعافيا للدراما السورية يبشر بعودتها من جديد إلى صدارة المنافسة الدرامية العربية؟ في الحقيقة تبدو الإجابة على مثل هذا السؤال معقدة بعض الشيء، فمع استمرار حالة الاستقطاب الفني والسياسي بين النظام السوري والمعارضة، والتي تفرض نفسها على المشاهد العربي، تبرز عوامل أخرى متحكمة سرا أو علنا في مسار عملية الإنتاج الفني والدرامي السوري بعيدا عن فكرة التعافي أو جاهزية المناخ والأجواء الإنتاجية والتسويقية، خاصة إذا ما نظرنا إلى العمل الدرامي كمحتوى فني يساهم على نحو ما في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي للمشاهد، وهو أمر يدركه صناع الدراما جيّدا، كما تدركه المؤسسات والجهات الإنتاجية المتحكمة في مسار عملية الإنتاج الدرامي، وتدركه قبل كل شيء الأنظمة السياسية جيّدا. تمارس العديد من الأنظمة والمؤسسات والتيارات لعبتي التوجيه والتلقين من خلال الدراما، ويدرك النظام السوري كغيره من الأنظمة السياسية ذلك الأمر جيدا، لذا فقد كان يتدخل بثقله في مسار العملية الإنتاجية سواء بالإنتاج المباشر من خلال المؤسسات الحكومية، أو عن طريق الإشراف والمتابعة والدعم المباشر وغير المباشر للعديد من مرتكزات الدراما. وفي المقابل، جاءت لعبة التلقين المباشر هذه التي كان يمارسها النظام السوري منذ سنوات طويلة حتى قبل اندلاع أحداث الثورة السورية بنتائج عكسية على ما يبدو هذه المرة، ما انعكس على عملية التسويق والمشاهدة، وهو ما جعله يلجأ هذا العام إلى استراتيجية جديدة للتوجيه والتلقين لا تتبنى المسار المباشر والمعتاد، والذي طالما استخدمه النظام في تسويق رؤيته ومفرداته. تراوحت مستويات هذه الاستراتيجية الجديدة في التلقين حسب درجة الاحترافية لصناع هذه الأعمال، والمسافة الافتراضية التي تفصل بينهم والنظام السياسي قربا أو بعدا، بين التلقين الفجّ والواضح إلى التوجيه الهادئ الذي يدفع المشاهد نحو مسار بعينه وتصورا مبتورا للأمور والأحداث. من بين المسلسلات المنتجة هذا الموسم كانت هناك ثلاثة أعمال من إنتاج شركة الإنتاج الحكومية وهي “بلا غمد” و”لست جارية” و”زوال”، وهي أعمال تكرس لوجهة نظر النظام، وتتبنى مفرداته على نحو مباشر أو غير مباشر عن طريق التناول الدرامي للأحداث عن قرب، أو الزجّ ببعض الإسقاطات داخل سياق العمل، ففي هذه الأعمال تتبدّل كلمة “الثورة” بمفردة “الأزمة” أو “الأحداث”، وتختصر مجرياتها على نحو طائفي أو ديني. ومسلسل “بلا غمد” هو أحد الأعمال القليلة التي تتناول البدايات الأولى للثورة السورية عن طريق قصة ضابط في الجيش السوري يتتبع أحد الأشخاص الذين قاموا باغتيال واحد من المسؤولين الكبار. يبث العمل رسائل كثيرة حول الأحداث الدائرة في سوريا تتلخص في الصراع بين الخير المتمثل في النظام أو الجيش السوري، والشرّ الذي يتجسّد في الجماعات الدينية المتطرفة. طرح مكرر "زوال" تناول حياة الأكراد كان لافتا خلال هذا الموسم طغيان الأعمال الدرامية التي عالجت القضايا الاجتماعية البعيدة عن دراما الأحداث الحقيقية في سوريا، وذلك في إطار سعي صناع الأعمال إلى تحييدها والنأي بها ولو ظاهريا عن بؤرة الاستقطاب والاصطفاف السياسي، وهو غرض تسويقي ليس أكثر، إذ أن الكثير من الأعمال تضمّنت رسائل مبطنة تصبّ في صالح الخطاب الذي يتبناه النظام السوري. من بين أبرز هذه الأعمال يأتي مسلسل “أحمر” والذي يقدّم سياقا مختلفا عن مجمل الأعمال الدرامية المقدمة، يدور المسلسل حول القاضي خالد العبدالله، الذي يقتل في ظروف غامضة، وتدور الأحداث حول كشف ملابسات الجريمة ونوايا القاتل، والمسلسل هو أول الأعمال الدرامية للمخرج السينمائي جود سعيد، وبطولة عباس النوري وسلاف فواخرجي وصفاء سلطان. أما مسلسل “الندم” من إخراج الليث حجو وبطولة باسم ياخور وسلوم حداد ومحمود نصر ومريم علي ومرام علي وأميرة حجو ورهف الرحبي، فيدور حول الشهوة إلى السلطة والنفوذ والصراعات المحتدمة داخل العائلة الواحدة على الثروة. ويروي المسلسل قصة كاتب تلفزيوني، عروة، في الأربعين من عمره، يبدأ حكايته في ليلة سقوط بغداد، ليستعرض من خلالها أحداثا تاريخية ومنعطفات سياسية منذ عام 2003 وحتى الآن. ومن بين أبرز هذه المسلسلات التي تناقش الواقع الاجتماعي يأتي مسلسل “زوال”، وهو من بين الأعمال السورية القليلة التي تناولت حياة الأكراد، ويروي المسلسل حياة الفقراء الذين يسكنون سفح جبل قاسيون، الذي يطلق عليه جبل الأكراد، ورغم أن العمل يسوّق للنظام السوري كضامن لحقوق الأقليات، وحاميا لهم في مواجهة الجماعات المتطرفة، إلّا أنه لا يتطرق إلى المشكلات الأعمق في حياة الأكراد، وبدا خاليا حتى من الأسماء أو اللغة الكردية. ومثّل المسلسل الشهير “باب الحارة” في جزئه الثامن هذا العام مثالا لنوعية الأعمال الدرامية التي اعتمدت على التوجيه غير المباشر، بإقحام شخصيات وأحداث لم تكن مؤثرة على الساحة خلال الزمن الفعلي، الذي تدور فيه أحداث المسلسل، وهو ما عرّض المسلسل للخلل في سياقه الدرامي. الإسقاط التاريخي للأحداث هو من بين الصيغ المتبعة في تناول الصراع الدائر حاليا في سوريا، وهي قراءة تختصر عادة ذلك الصراع في شكل مؤامرة خارجية أو استعمارية الهدف منها النيل من استقلال الوطن وحريته. من بين هذه الأعمال يأتي مسلسل “خاتون”، وهو من بين أكثر المسلسلات السورية في عام 2016 مشاهدة، والأضخم إنتاجا في موسم رمضان الماضي، وهو أيضا أحد الأعمال القليلة التي وجدت طريقها للعرض على الشاشات التلفزيونية العربية. تدور أحداث المسلسل حول قصة حب بين فتاة سورية وضابط فرنسي أثناء فترة الانتداب الفرنسي خلال العشرينات من القرن الماضي، وتلعب بطولته جيني أسبر، وكندة حنا التي تؤدي دور “خاتون”، وسلوم حداد ويوسف الخال وباسم ياخور، وهو من إخراج تامر إسحاق. ومن بين المسلسلات التي تدور حول فترة الاحتلال الفرنسي أيضا يأتي مسلسل “عطر الشام”، وهو يدور إبّان فترة العشرينات في دمشق ويجسد الحياة الاجتماعية في تلك المرحلة، والمسلسل من إخراج محمد زهير وبطولة كل من رشيد عساف وسلمى المصري وليليا الأطرش ورنا أبيض وآخرين. وإن كانت الدراما الاجتماعية قد استحوذت على النصيب الأكبر من مجمل الدراما السورية المنتجة خلال عام 2016، بنحو خمسة عشر عملا، فقد تلتها دراما البيئة الشامية التي تستلهم الحياة الشعبية داخل البيئة الشامية التقليدية والصراعات المحتدمة بين أبناء البيت أو العائلة الواحدة أو بين المجتمع والمستعمر، إذ تدور أغلب الأحداث والأعمّ منها في أزمنة الاحتلال الفرنسي أو الوجود العثماني. "الطواريد" كوميديا أربكتها الإطالة وتبرز بين أعمال هذه النوعية مسلسلات ذات إنتاج ضخم أو شبه مشترك، كمسلسل “خاتون” ومسلسل “عطر الشام” اللذين يجمعهما التركيز على الصراع الداخلي بين أبناء الحارة الواحدة أو البيت الواحد بعيدا عن الصراع مع المحتل، والذي يتقلص دوره إلى خلفية المشهد الدرامي، وهو إسقاط غير مباشر على حالة الصراع الداخلي في سوريا من وجهة نظر صناع تلك الأعمال. ومن هناك يوجّه السياق العام لمثل هذه الأعمال عين المشاهد، إلى رؤية معينة تختصر أسباب الصراع الداخلي في سوريا في الأطماع الشخصية والرغبة في التسلط، وكذلك التعصب الديني أو المذهبي. أخطاء فنية خلافا للظاهرة الأبرز خلال هذا الموسم والمتمثلة في غياب الأعمال التاريخية الكبيرة ذات الكلفة الإنتاجية الضخمة، يعاب على الكثير من الأعمال الدرامية تكرار المعالجات وتشابه القضايا المثارة وخاصة في الأعمال التي تناولت البيئة الشامية، والتي افتقد بعضها إلى الحبكة، فالأعمال جميعها تبدو متشابهة من حيث الأفكار والطرح، كما احتوى بعضها عددا من الأخطاء الفنية والإخراجية التي أثارت الكثير من الاستهجان بين متابعيها. كان لمسلسل “باب الحارة” النصيب الأكبر من هذه الانتقادات، فقد كرّر صناع المسلسل نفس الخطأ الذي وقعوا فيه خلال الجزء السادس بإعادتهم لأحد أبطاله الذين ماتوا خلال الجزء الثالث في دور جديد. أما هذه المرة فقد عاد الممثل عبدالهادي الصباغ في دور أبوحازم، وكان قد ظهر من قبل في الجزء السادس من المسلسل في دور الشيخ الأعمى فهمي، والذي مات مقتولا. ولم تسلم الأعمال الكوميدية المقدمة خلال هذا الموسم أيضا من السلبيات والانتقادات، فقد غلب على معظمها التسطيح والسذاجة والافتعال. مسلسل “سليمو وحريمو”، لجأ إلى التكرار والحشو غير المبرر، وكذلك الاعتماد في الكثير من الأحيان على النكات والقفشات المأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي. والمسلسل من إخراج وتأليف فادي غازي، وتدور قصته حول كاتب سيناريو فاشل يبحث عن زوجة يتطابق برجها مع برجه، وقد قدّم في كل حلقة حكاية جديدة في سياق رحلة البحث هذه. أما مسلسل “الطواريد” الذي أخرجه مازن السعدي فتدور أحداثه في بيئة بدوية حول الرضيعين، خلف ومهاوش، اللذين يعثر عليهما زعيم قبيلة الطواريد قبل ثلاثين عاما ويأمر برعايتهما، ولأنهما طفلان شرهان يرضعان من كل نساء القبيلة، ما يجعلهما إخوة بالرضاعة لجميع بنات القبيلة، عدا وضحة التي يتنافسان على حبها. وكان من الممكن لهذا المسلسل أن يكون الأفضل بين الأعمال الكوميدية المقدمة خلال هذا الموسم لولا حالة التطويل والتكرار في أحداثه، ومن بين الأعمال الكوميدية التي لم تلق رواجا يذكر خلال هذا الموسم “تنذكر وما تنعاد” و”كونكان” و”فارس وخمس عوانس” و”بث تجريبي”. :: اقرأ أيضاً أمين معلوف يكتب تاريخ الثقافة الفرنسية عام مهرجانات وجوائز وذبول شعري المشهد الثقافي المصري يودع صائد الجمال جميل شفيق

مشاركة :