الأماسي العربية: الحرية وجرأة الطرح

  • 3/31/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الصالونات الأدبية الخاصة أو المراكز الثقافية الخاصة أو أياً كانت التسمية ليست طارئة على المشهد الثقافي العربي، بل سابقة بعصور على المؤسسات الثقافية العامة، والقارئ للتاريخ العربي في المشرق وفي الأندلس يجد لهذه الصالونات أدبياتها الخالدة في النقد والأدب والثقافة، ونتذكر في التاريخ الحديث (كرمة ابن هانئ) منزل أمير الشعراء شوقي الذي كان أساساً لمدرسة أبولو، وصالون مي زيادة في بيروت، وانتشار المقاهي الثقافية التي كانت تجمع العديد من المثقفين في أماسٍ ما يزال عبقها يضوع في ذاكرة الثقافة العربية الحديثة في مصر والشام ولبنان، ثم انتشرت في الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية ولعل أشهرها صالون الإدريسي في جازان، ثم المراكز الثقافية التي انتشرت في الحجاز والرياض والمنطقة الشرقية وكانت هي النواة التي سايرتها الدولة حتى بدأ تأسيس الأندية الأدبية الحكومية عام 1395هـ ـ 1975م. ومن هذه الومضة التاريخية يجب ألا نعتبر المراكز الثقافية الخاصة ردة فعل أو نتيجة لقصور المراكز الثقافية الحكومية؛ لأنها أصيلة ودوافع إنشائها أكبر وأعمق من أن تكون ردة فعل فقط، بل قامت لحاجة الأدباء والمبدعين إلى كيانات تجمع شتاتهم وتوحد أصواتهم، ولهذا نجد لكل مركز ثقافي تخصصه وطابعه وطيفه الخاص، فمراكز تهتم بالتاريخ وأخرى تعنى بالأدب الحديث عامة، ومراكز تعنى بتخصص أدبي معين كالقصة أو الشعر أو النقد، وبعضها يتخصص في الفنون. حتى أن بعض هذه المراكز قدم جوائز ومبادرات تخدم المشهد الثقافي، وتحفّز المبدعين على العطاء والتميز. حسب بعض أصحاب المراكز الخاصة فإن مساحة الحرية فيها أكثر مرونة واتساعاً وطابعها الرسمي أقل حدة من المراكز العامة المحكومة بنظام إداري يكون صارماً أحياناً، وإجراءات بروتوكولية بطابع رسمي جاف، فلا تحتاج المراكز الخاصة إلى أذونات في إقامة فعالياتها المحلية من الأجهزة الرسمية، وهذا يعطي المبدع راحة أكثر، وجرأة الطرح ومناقشة القضايا بكافة أشكالها، وهذه الميزة جعلت أصحابها يتجنبون الدعم الحكومي -على الأقل- في المملكة العربية السعودية حتى لا تكون ضريبته تحجيم هذه الميزات. وعلى الرغم من عدم اطلاعي أو مشاركتي في المراكز الثقافية الخاصة خارج المملكة، فقد سمعت عن بعضها من خلال أصدقائي من تلك البلدان، فمثلا ساقية الصاوي و(دوم) وغيرها في مصر، وفي الأردن والسودان وتونس والمغرب ولبنان ومعظم البلدان العربية العديد من المراكز الثقافية، بعضها وصل الشهرة العربية كمنتدى الطيب صالح ونجيب محفوظ وأبي القاسم الشابي بجوائزها العربية، أما في مشهدنا السعودي فقد كثرت الصالونات الأدبية وتنوعت، وبات البعض يتوجس من كثرتها، ويعتبرها أحياناً ترفاً اجتماعياً لا مبرر له، وفي هذه التهمة ما فيها من التحجيم والكنود، فزيادة الصالونات الأدبية في نظري مهما بلغت لن تزيد المشهد إلا ثراء، والخاملة منها لن تصمد في ظل الحراك الثقافي الصاخب، وستختفي باختفاء مؤسسها. ولعلي في هذه العجالة أقف على بعض المراكز الثقافية في السعودية مثل خميسية الجاسر، وإثنينية خوجة وأسبوعية القحطاني بجدة، ومنتدى السالمي في الطائف، ومنتدى باشراحيل الثقافي في مكة ومنتدى دحام العنزي في الرياض وخميسية الموكلي في جازان وغيرها من المراكز الثقافية الخاصة، حتى أن الأمر تطور تطوراً لافتاً عندما بدأ المثقفات في إنشاء مراكز ثقافية نسائية خاصة بهن، إما جماعية مثل رواق أديبات المدينة أو فردية مثل صالون سارة الخثلان الذي كان أول صالون نسائي في السعودية وأحدية الخزيم، وصالون شقراء المدخلي، وصالون سلطانة السديري وصالون أميمة البدري وغيرها من الصالونات النسائية، كذلك حتى على مستوى الأشقاء العرب العاملين في المملكة نشأت صوالين أدبية خاصة مثل صالون الشاعر عماد قطري من مصر وصالون الشاعر عبدالرحمن لطفي من سوريا، يجتمعون فيها مع شعراء وأدباء من مختلف الجنسيات في تسامرات أدبية ونقدية حافلة. ولا أرى مطلقاً أن المراكز الثقافية الخاصة تحل محل المؤسسات الثقافية الحكومية أو تهددها بسحب البساط من تحت أقدامها، لأنها تقوم على الدعم الخاص وعلى جهود مؤسسيها الخاصة، في فعالياتها ومطبوعاتها وجوائزها، ونشاطها مرتبط بسعة مؤسسها المالية، فنجد بعض المنتديات تنشط أسبوعياً وبعضها شهرياً وبعضها موسمية الحضور، لكنها تسهم في توسيع الحراك الثقافي والفكري وتزيد مساحة نشر الوعي بين أبناء المجتمع، ويجب أن نشجع على مد جسور التعاون والشراكات فيما بين المراكز الثقافية الخاصة، وبينها وبين المراكز الحكومية من جهة أخرى، وستكون الثمار دانية يانعة للقاطفين في الغد المنتظر.

مشاركة :