ما نجده اليوم وفرة فائضة عن حاجة الشعر، مقابل قلة من التجارب الجديرة بحمل الاسم لأنها استطاعت أن تمتلك فهمها الراقي للشعر وأن تدرك متطلبات نجاح هذا المسعى. العربمفيد نجم [نُشرفي2017/01/03، العدد: 10501، ص(15)] المتأمل في واقع الحركة الشعرية العربية الحديثة منذ أربعينات القرن الماضي وحتى الآن لا بد أن يرى حجم المفارقة الكامنة بين لحظتين متباعدتين من تاريخها، لحظة ولادة تجربة الحداثة وتحولاتها، واللحظة الراهنة. إن الأسباب الكامنة وراء هذه المفارقة تحتاج إلى بحث معمق وواسع يتناول مجمل العوامل المؤثرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في العملية الإبداعية وتكوين وعيها الجمالي، إذ من غير المعقول أن تنتهي حداثة راكمت منجزها الشعري طوال عشرات السنين، ومرت بجملة من التحولات والتطورات في بنية القصيدة، إلى ما انتهى إليه واقع الشعر راهنا. لقد قال البعض ممن حاولوا تبرير هذا الواقع إن هذه الظاهرة رافقت تحولات التجربة الشعرية العربية الحديثة في مراحلها المختلفة، حيث محدودية التجارب المتميزة، وكثرة التجارب الضعيفة، التي نمت على هامش تلك التجارب. لا شك أن جزءا من هذا القول لا يمكن نفيه، إلا أن واقع الشعر العربي الآن يمضي باتجاه مغاير أصبح معه من المتعذر تمييز التجارب الأصيلة وسط هذا الغثاء الشعري الذي يملأ المشهد بضجيجه وفوضاه وكثرة مدعيه. من أسباب هذا التمايز بين التجربتين أن الشاعر سابقا كان يخلص لتجربته من خلال العمل الدؤوب على تطوير أدواتها وإغنائها فكريا وجماليا، على خلاف ما نجده عند العديد من أصحاب التجارب الراهنة، سواء على صعيد علاقتهم باللغة أو على صعيد علاقتهم بالمنجز الشعري العربي الحديث أو العالمي، الذي اكتفوا منه بما ينشر من ترجمات ضعيفة. ما نجده اليوم وفرة فائضة عن حاجة الشعر، مقابل قلة من التجارب الجديرة بحمل الاسم لأنها استطاعت أن تمتلك فهمها الراقي للشعر وأن تدرك متطلبات نجاح هذا المسعى على مستوى وعيها الجمالي وتطويرها لهذا الوعي من خلال اجتهادها وسعيها الحثيث لتمثل هذا الوعي في نصها الجديد، باعتبار أن الشعر مغامرة دائمة لتوسيع فضاء القصيدة وتعميق علاقتها بالعالم وبالذات وباللغة في الآن ذاته. أيضا من أسباب هذا التردي أن ولادة الحداثة الشعرية جاءت متوافقة مع حالة نهوض وتحول اجتماعي وفكري وسياسي، ما جعل أهم رموزها جزءا من الحركة الفكرية والسياسية في تلك المرحلة، في حين أن سيادة ثقافة الاستهلاك ووفرة وسائل النشر وسهولتها، لا سيما مع انتشار المواقع والنشر الإلكترونيَّيْن، قد وفرت لمن يشاء أن يكتب وينشر تحت مسمى الشعر ما يريد. في سبعينات القرن الماضي كانت دار العودة اللبنانية مختصة بنشر الشعر، وكان من المتعذر أن تنشر لأي شاعر ما لم يكن صاحب تجربة متميزة، لذلك كان النشر فيها بطاقة مرور إلى الشهرة عربيا. كاتب من سوريا مفيد نجم :: مقالات أخرى لـ مفيد نجم الشعر بين تجربتين, 2017/01/03 عام مهرجانات وجوائز وذبول شعري, 2016/12/29 نجمة الشمال , 2016/12/28 النسوية الإسلامية , 2016/12/06 التطرف ومصادرة العقل والتاريخ والمعرفة, 2016/12/04 أرشيف الكاتب
مشاركة :