ظلت التجربة النقدية العربية تتجاذبها دوافع مختلفة حالت دون أن تطور منجزها وصولا إلى تكوين ممارسة نقدية تواكب تحولات القصيدة الجديدة، وتسهم في تعميق قيمها الجمالية وتطويرها بدلا من أن تعتاش عليها كما حدث في الغالب. العربمفيد نجم [نُشرفي2017/02/14، العدد: 10543، ص(15)] عندما نقول إن نقد الشعر ليس في أفضل حالاته، فهذا أقل ما يمكن أن يقال عن تراجع الاهتمام النقدي بالشعر تنظيرا وتطبيقا. أسباب تراجع هذا الاهتمام يعود جزء كبير منه إلى سببين اثنين؛ أولهما هو هيمنة الرواية على المشهد الثقافي العربي، سواء من حيث الإقبال على خوض مغامرة كتاباتها حتى من قبل الشعراء أنفسهم، أو لكثرة الجوائز السخية التي تمنح لكتابها سنويا. أما العامل الثاني والذي يتحمل الشعراء مسؤوليته فيتمثل في هذه الفوضى التي تعيشها الكتابة الشعرية، والاستسهال الذي يجعل كل عاطل عن الكتابة يتجه لكتابة الشعر، لكن لماذا نظلم الشعراء وحدهم على الرغم من وجاهة النقد، وننسى دور النقد والنقاد حتى في المرحلة التي مازال الشعر يحافظ فيها على مكانته في المشهد الثقافي العربي. لم يستطع النقد العربي أن يواكب التجربة الشعرية العربية على المستويين التنظيري والتطبيقي لسببين اثنين أيضا، أولهما سرعة التحولات التي كانت تشهدها هذه التجربة بعد الثورة التي أحدثتها قصيدة التفعيلة على مستوى هذه التجربة، وثانيهما خصوصية هذه التجربة من حيث بنيتها الجمالية وانشغالاتها، على الرغم من عوامل التأثير الخارجية المعروفة. لقد فرضت هذه التحولات السريعة للتجربة الشعرية تحديا على النقد العربي الذي ظل تائها بين الخضوع لمؤثرات النقد الغربي عليه، والبحث عن هوية خاصة مستمدة من التراث النقدي العربي القديم، ولذلك ظلت التجربة النقدية العربية تتجاذبها دوافع مختلفة حالت دون أن تطور منجزها وصولا إلى تكوين ممارسة نقدية تواكب تحولات القصيدة الجديدة، وتسهم في تعميق قيمها الجمالية وتطويرها بدلا من أن تعتاش عليها كما حدث في الغالب. لا شك أن من أسباب هذا التقصير صعوبة التعامل النقدي مع القصيدة وفك مغاليقها، وفهم دينامياتها الداخلية التي تقود إلى تطورها، وتشكيل جمالياتها، وذلك في ظل محدودية المفاهيم والأدوات النظرية التي يتعين على الناقد القيام بهذه المهمة، دون أن ننسى الإشكالية التي واجهها النقد خصوصا والأدب عموما حول علاقة الأدب بالأيديولوجيا وانعكاسات ذلك على تطور القيم الجمالية للقصيدة. كل هذا حدث قبل أن يداهم صعود الرواية المشهد الأدبي ويجد البعض من النقاد ضالتهم في نقد الرواية، نظرا إلى وفرة المراجع والمدارس النقدية المترجمة ومرونة توظيف هذه الوفرة في نقد الرواية، لا سيما مع مواصلة القصيدة الحديثة في نسختها الحداثية مغامرتها الجمالية والفكرية، التي تستدعي إبداعا نقديا مواكبا، يتجاوز تحليل أو تفكيك بنيتها إلى إدراك معاني هذه التحولات وما تؤسس له من قيم جديدة تخصّ جمالية الكتابة والرؤية إلى الذات والعالم معا. كاتب من سوريا مفيد نجم :: مقالات أخرى لـ مفيد نجم نقد الشعر , 2017/02/14 عالم للبيع , 2017/02/07 المسرح الشعري, 2017/01/31 الاسم والقناع , 2017/01/24 الكتاب العلمي , 2017/01/17 أرشيف الكاتب
مشاركة :