الشاعر العربي في منفاه لم يعد غريبا كما كان الحال قديما، ثمة منتديات وجمهور عربي وصحف ومجلات ودور نشر متوفرة، إضافة إلى سهولة الاتصال والنشر في هذا الفضاء الإلكتروني المفتوح.العرب مفيد نجم [نُشر في 2017/07/04، العدد: 10681، ص(15)] تستعيد الذاكرة الشعرية العربية الراهنة تجربة هامة شكلت جزءا هاما من تاريخها، هي تجربة الشعر المهجري. في كلا التجربتين هناك بلاد طاردة وشاعر منفي باختياره أو مكرها. اتساع هذه الظاهرة ترافق مع اشتداد حالة القمع ومصادرة الحريات وانعدام فرص الحياة الكريمة في مجتمعات الفساد ونهب المال العام. في الهجرات الأولى كان العامل الاقتصادي والبحث عن الرزق سببا مباشرا، على خلاف الهجرات الجديدة وموجات اللجوء الواسعة. الشعر المهجري كان بمثابة جسر بين ثقافتين، لعب في تاريخ الحركة الشعرية العربية دورا هاما على مستوى التجديد والتطوير، فتح أمامها آفاقا جديدة أغنت تجربتها في زمن كانت فيه حركة الترجمة من الآداب الغربية محدودة جدا. ظهر هذا التأثير واضحا على مستوى بنية القصيدة ورؤية الشاعر إلى العالم والأشياء. اختلاف الزمن وطبيعة التجربة بالنسبة للشاعر العربي في منفاه القسري أو الإرادي وانفتاح الثقافة العربية على الثقافة العالمية من خلال حركة الترجمة النشيطة، خلق تمايزا بين التجربتين، يجعل المقاربة تتطلب قراءة من زاوية مختلفة. الشاعر العربي في منفاه لم يعد غريبا كما كان الحال قديما، ثمة منتديات وجمهور عربي وصحف ومجلات ودور نشر متوفرة، إضافة إلى سهولة الاتصال والنشر في هذا الفضاء الإلكتروني المفتوح. السؤال عن مدى قدرة المهجرية الجديدة على لعب دور مماثل للتجربة الأولى يمكن أن يجد فيه البعض نوعا من التعسف بسبب اختلاف الظروف الموضوعية وحالة الفوضى الشعرية وكثرة مدعي الشعر من العاطلين عن العمل، ما جعل التجارب التي يحمل أصحابها لقب شعراء بجدارة محدودة. كل هذا جعل البحث عن الشاعر الأصيل في هذا الفضاء أشبه بالبحث عن الإبرة في كومة من القش. لقد نقلوا معهم فساد الثقافة التي تربوا عليها في بلدانهم. بالمقابل ثمة تجارب جديرة بالتوقف عندها أو انتظار اكتمال نضوجها في المستقبل أو انتظار ولادة تجارب جديدة من رحم هذه التجربة المريرة. كل هذا سوف يراكم ويشكل ظاهرة جديدة في الحياة الشعرية العربية الراهنة، تجربة تمتلك سماتها الروحية والوجودية والجمالية، تستحضر المعنى الإنساني والروحي للمنفى مستفيدة من الفضاء الثقافي الثري الذي يعيش فيه هؤلاء الشعراء. شعرية المنفى التي يعوّل عليها هي الشعرية التي تمتلك قيمها الجمالية الخاصة، وتنفتح عينها الداخلية على أزمنة وأمكنة وفضاءات تعيد معها الذات الشعرية تشكيل هويتها الجديدة، بوصفها حضورا في الغياب، يؤرقه سؤال الذات في أقصى حالاتها هجسا بالذات المشدودة بين الهنا والهناك، في تجربة مفتوحة على سؤال الذات والبحث عن المعنى في عالم غريب. كاتب سوريمفيد نجم
مشاركة :