بات من الجليّ أن هناك قوىً دوليةً تريد أن نتوقف عن إصلاح أحوالنا وبناء أوطاننا والتخطيط لمستقبلنا، وذلك بما تنفذه هذه القوى من مخططات تخدم مصالح تتَناقض مع مصالحنا وتتَعارض مع أمننا القومي وسيادة دولنا. ومع الأسف الشديد يوجد بيننا من ينساق مع هذه المخططات بوعي أو من دون وعي، والمحصلة هي إعادة رسم الحدود الجغرافية، وتغيير الطبيعة الديموغرافية وتمزيق النسيج المجتمعي لشعوبنا. إن خطورة ما يجري خلال هذه المرحلة الدقيقة تفرض علينا أن ننظر إلى بواطن الأمور، وأن ندرك حقائق الأشياء، وأن نكون متأهبين لمواجهة أسوأ الاحتمالات، والتعامل مع الأزمات الطارئة بكامل اليقظة والفطنة وحسن التدبير، وفي مقدمة ما ينبغي أن نأخذ أنفاسنا به، عدم الرضوخ للأمر الواقع، أو الإغراق في جلد الذات، والخروج من ضيق المرحلة وعسرها، إلى سعة الأمل ويسر التفكير الإيجابي بعقل نقدي مستنير وببصيرة نافذة تستشرف المستقبل. هم يريدون لنا مصيراً صنعوه ليخدم مصالحهم، ويفرضون علينا أن نذعن لما خططوا له، وأن نغرق في اجترار الأحزان والانغماس في المآسي التي ساقونا إليها، ليفتوا في عضدنا، وليكبلوا أيادينا، حتى يتسللوا إلى دواخلنا، ويعيثوا فساداً في عقولنا، فنضعف ونستكين، ليكونوا هم المتصرفين في شؤون حياتنا. ولن ترتد سهام هؤلاء الطامعين في أراضينا إليهم إلاّ إذا أفقنا من الغفوة، وصحونا من السبات الذي يلفنا حتى وصلت الأمور في منطقتنا إلى ما وصلت إليه. فهذا زمن اليقظة وقراءة الحسابات بعيون مفتوحة وعقول بصيرة، على رغم كثافة الضباب الذي يلف الآفاق الممتدة أمامنا. فليس عصرنا شبيهاً، من قريب أو بعيد، بتلك الفترة التي تزامنت مع مطلع القرن العشرين، ولا المناخ الدولي الحالي يساعد على تكرار المأساة العظمى التي وقعت عام 1916. ولذلك فإنَّ إرادة شعوب المنطقة يجب أن تتغلب على المؤامرات التي تحاك لها، مهما طال أمد الأزمات الحالية. إن نغمة اليأس التي تتردد حالياً في المنطقة مقصودة بذاتها، لتشل فينا الحركة، ولتثبط عزائمنا، ولتكسر شوكتنا، فننهزم ونرفع رايات الاستسلام. فاليأس إذا سَرَى في مجتمع نخره من الداخل، فيصبح عاجزاً لا يمتلك شروط المقاومة. وقد خاب من ظن أن العرب انهزموا وآل مصيرهم إلى اليأس. إنّ الذين يحلمون بصنع مستقبل المنطقة، ثم يذهبون إلى مجلس الأمن الدولي ليزكي ما خططوا له واتفقوا عليه، غير آبهين بأصحاب الحقوق المهضومة، هؤلاء لا يعملون بمفردهم، حتى وإن بدا الأمر بخلاف ذلك، فهم لاعبون ضمن جوقة من اللاعبين بمصائر الشعوب الذين يفسدون ولا يصلحون، ويهددون الأمن والسلم في العالم، بينما هم لا يملون من التبجح بأنهم صناع السلام. اليائسون لا يبنون، ونحن أمة مكتوب عليها أن تبني في كل مجالات البناء، وأن نطوّر حضارتنا التي كانت باذخة مزدهرة يوم أن كنا نملك زمام أمورنا، ونتحكم في شؤوننا، ونعيد صنع العلم وننتج المعرفة ونبثهما في العالم. إن أمةً هذه هي رسالتها الحضارية لن تهزم، وإنْ تطاولت عليها الأمم التي تناصبها العداء، وتآمر ضدها خصوم السلام من كل لون. فهذا هو قدرها اليوم وغداً وأبداً. ولكن ينبغي الحذر من أن يكون هذا التفاؤل تفاؤلاً لا قوة وراءه، فالله تعالى أمرنا أن نعد العدة ونتخذ الأسباب. فليكن الأمل الذي يحدونا أملاً يأوي إلى ركن شديد، والتفاؤل الذي نلوذ به تفاؤلاً مستنداً إلى وعي رشيد وتخطيط سليم وعمل متقن. فبذلك نكتسب القوة الذاتية الرادعة، ونرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهنا، فنُفشل الجهود التي يبذلونها لنصبح أسرى سياساتهم التي هي، في عمقها وفي بعدها، تصنع الإرهاب بكل أشكاله، وتغذي الطائفية وتحرّكها، وتخلق الأجواء المناسبة لتترعرع في منطقتنا، وتستشريا فوق أراضينا، وتفرخ المآسي والكوارث التي تضعفنا، وتهدد أمتنا واستقرار بلداننا قبل أي شيء. هذا الضوء من الأمل الذي بدأ يسطع في عتمة النفق الذي أُدخلت فيه منطقتنا، هو الذي يقوي فينا العزائم، وينير أمامنا مشاعل التفاؤل والثقة بالغد، لنقبل على التغيير، ونقوم بالإصلاح، ولنراجع أنفسنا، ونجدد حضارتنا، ولنعيد انطلاقتنا نحو المستقبل الذي نبنيه بإرادتنا الحرة. * أكاديمي سعودي
مشاركة :