عاشت منطقة الشرق الأوسط تحولات دراماتيكية مؤثرة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وأضحت في مثابة نقطة جذب استراتيجية للصراعات والتنافرات الدولية، فالصراع الدولي بين الشرق والغرب وضع ثقله فيها حيث التصادم الأميركي - الروسي، الذي يمثل صراع أقطاب كلاسيكياً على صعيد سلم الهرمية الدولية. ومن جهة أخرى، هو صراع قوى إقليمية مندفعة تطمح الى الريادة والقيادة على حساب القوى الإقليمية الأخرى، إضافة الى تحولات داخلية شابت المشهد الإقليمي من خلال التغيرات الاستراتيجية التي عصفت بالدول الشرق أوسطية نتيجة انحلالات داخلية وإرهاصات خارجية محيطة بها. ويمكن إجمال أهم التغيرات الكبرى التي عصفت بالشرق الأوسط على الشكل الآتي: - اشتعال الحروب والصراعات الدولية: نتيجة التغيرات الديناميكية في الهيكلية الدولية التي شكلت على إثرها اندفاعاً للقطبين الدوليين، روسيا والولايات المتحدة، نحو المواجهة غير المباشرة في المنطقة. - دخول المنطقة في دائرة حروب الوكالة: فحصيلة انهيار منظومة التوازن الإقليمي الذي دفع بعض القوى الإقليمية الى ممارسة دور جيواستراتيجي كبير على حساب العمق الاستراتيجي لبعض القوى الإقليمية، والذي أثر في شكل سلبي في معادلة الأمن الإقليمية. - انهيار الدولة الوطنية: عمد الصراع الإقليمي بين القوى الإقليمية المتناحرة إلى تفكيك أواصر التلاحم الاجتماعي بين مكونات الدولة الشرق أوسطية، حيث اتسع الشرخ المجتمعي بين المكونات، وأضحت الهوية الوطنية من الماضي نتيجة صعود الهوية الإثنية الطائفية على الهوية الوطنية للدولة. - انهيار الحدود والتقسيمات الإدارية لبعض الدول: فقد أدى الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة الى فقدان السيطرة على بعض المناطق المحلية، والى إنشاء كانتونات ودويلات داخل الدولة الواحدة، فالعراق يعاني من هذه المشكلة، فضلاً عن سورية واليمن وليبيا وتركيا، إضافة الى بعض الدول المرشحة لهذا الوضع. - الهجرة الدولية والتغييرات الديموغرافية: أنتجت الصراعات والحروب في المنطقة ملايين المهاجرين الذين اتجهوا الى الدول الإقليمية، خصوصاً تركيا وأوروبا، ما سبّب إرباكاً في العلاقات التركية - الأوروبية نتيجة مطالبة تركيا الاتحاد الأوروبي بمزيد من التنازلات في مفاوضات انضمامها الى الاتحاد. - انهيار الأمن الداخلي لبعض دول الشرق الأوسط: فالأمن يشكل ركيزة من ركائز استقرار الدول وقوتها الخارجية، وتعاني بلدان الشرق الأوسط انكسارات أمنية كبيرة نتيجة اختراقات أجهزة الاستخبارات الخارجية التي جعلتها ألعوبة للقوى الدولية التي تعتمد على ضرب منظومة الأمن الداخلي بتفجيرات أو اغتيالات. - المضاربات النفطية والصراع على إمدادات الطاقة: فمعظم بلدان الشرق الأوسط تعاني أزمات اقتصادية نتيجة ارتباط اقتصادياتها في صورة مباشرة بالنفط والغاز، وكذلك بسبب انهيار أسعار النفط في نهاية عام 2014، والذي خلّف انكسارات اقتصادية لهذه الدول، إضافة الى الصراع المحتدم على خطوط نقل الطاقة، حيث باتت المنطقة مشتعلة بالحروب والصراعات التي يشكل تأمين خطوط نقل الطاقة أهم محركات هذه الصراعات. - سرعة التحولات الاستراتيجية في المنطقة: إن أخطر ما تمر به المنطقة هو سرعة التحولات في المواقفة والتحالفات، فالسياسة الإقليمية والدولية في المنطقة لا تمر اليوم بمرحلة الاستقرار والاستمرار، وإنما تتخذ أشكالاً ومنعرجات مختلفة، فصديق اليوم هو عدو الغد، ومثل على ذلك العلاقات التركية - الغربية والعلاقات التركية - الروسية. وأخيراً، يمكن القول أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاريخية نتيجة ما تعاني من تحولات استراتيجية كبرى مسّت دول المنطقة في شكل مباشر أو غير مباشر، وخلّفت تداعيات سلبية على خلفية الحروب والصراعات التي لا تكاد تترك المنطقة، وبالتالي لا بد من التعويل على المرحلة المقبلة التي من المتوقع أن تشهد تغيرات هيكلية سترسّخها طبيعة السياسة الدولية والإقليمية في المنطقة.
مشاركة :