معظم دول العالم تحرص على أن يكون لديها إعلام قوي متطور يواكب النهضة العلمية ومستوى التحرر والديمقراطية الحاصل في العالم، ويعتبر الإعلام أحد المؤشرات التي تدل على مدى التقدم والتطور الحاصل في البلد. سوريا من الدول التي لا تحرص على أن يكون لديها ذلك الإعلام القوي المتميز، بل على العكس تسجل تراجعا بعد آخر في هذا المجال رغم أنها شهدت فترة من الحرية النسبية في التعبير والنشاط الإعلامي الملحوظ قبل الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، ومع حلول عهد الوحدة أنشأت الحكومة وزارة الإعلام والثقافة، التي تضمنت قسما للمراقبة وآخر للاهتمام بالصحف ووسائل الإعلام الأخرى، حيث منعت كل الصحف ووسائل الإعلام المستقلة، وبقي الوضع كما هو عليه حتى نهاية فترة الوحدة التي تلتها فترة انفصال قصيرة بين عامي 1961 و1963، حيث تحركت الحياة الحزبية والسياسية رافقها تحرك آخر بوسائل الإعلام الأخرى إلى أن جاء انقلاب الثامن من مارس (آذار) 1963 الذي استولى فيه حزب البعث على السلطة لتبدأ فترة جديدة من مصادرة حرية التعبير والهيمنة على كل وسائل الإعلام باستثناء الصحف الرسمية المحسوبة على السلطة، وهي: «الثورة»، «البعث»، «تشرين».. وجميع هذه الصحف تعتمد على مصدر وحيد للأخبار هو وكالة الأنباء السورية (سانا) التابعة للسلطة. بقي الحال كما هو عليه حتى وصول بشار الأسد للرئاسة عام 2000، حيث أعطى وعودا بالإصلاح والانفتاح سرعان ما ثبت أنها وعود كاذبة لم يتمخض عنها شيء يذكر سوى السماح لأول مرة منذ عهد الوحدة بإصدار جريدة مستقلة عام 2001 (الدومري) للفنان علي فرزات، ولاقت نجاحا كبيرا عكس الصحف الرسمية التي لا تتجاوز نسبة توزيعها الصحيفتين لكل مائة شخص حسب إحصاء عام 1996. لم يتسع صدر النظام والمراقبة لتلك الجريدة فحوربت وشُهر بها من قبل الإعلام الرسمي والصحف الرسمية التي خصصت صفحاتها للتحريض والتشهير بجريدة «الدومري» ليجري إغلاقها عام 2003 بقرار أمني، وتلتها ملاحقة ومضايقة لعلي فرزات الذي لم يسلم من بطش النظام نتيجة مواقفه الناقدة للسلطة والفساد، فجرى الاعتداء عليه بالضرب وكسرت أصابعه في بداية الثورة السورية. حال بقية الصحافيين لم يكن أفضل نتيجة المراقبة الشديدة والمحاسبة على كل كلمة لا يوافق عليها النظام الذي فرض حدودا للصحافيين يمنع تجاوزها رغم أن معظم العاملين في الصحف الرسمية هم من أعضاء حزب البعث، والباقي من المحسوبين على النظام. لا تكتفي السلطة الحاكمة بمحاسبة الصحافي الذي ينتقد النظام بل تتخطاه إذا انتقد ذلك الصحافي الدول الصديقة للنظام، وهذا ما حصل مع الكاتب علي العبد الله الذي حكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة مع باقي أعضاء إعلان دمشق عام 2008، وبعد انتهاء مدة حكمه بقي بالسجن ليحاكم بقضية أخرى هي نقده لطريقة الانتخابات في إيران التي وجدت بها سلطات النظام إساءة لدولة صديقة. بالنسبة لقانون المطبوعات الذي يحكم حركة الصحافة، هو أسوأ القوانين في العالم، وزاده سوءا المرسوم التشريعي رقم 50 لعام 2001 الذي يحظر نشر معلومات تتعلق بالأمن الوطني ووحدة المجتمع، وكذلك المطبوعات الأجنبية التي تخضع للمراقبة من قبل وزارة الإعلام قبل توزيعها في السوق تماشيا مع المادة 9 من قانون المطبوعات، وكل مطبوعة دورية تحتاج لموافقة رئيس الوزراء عليها بعد الموافقات الأمنية المطلوبة، ومن هنا نجد غياب المطبوعات الأجنبية والمحلية نتيجة الرقابة الشديدة عليها. يبقى من وسائل الإعلام السورية الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التي لا يختلف حالها عن بقية وسائل الإعلام من حيث تبعيتها للسلطة والمراقبة عليها واستخدامها كوسيلة دعائية للنظام الذي لا يسمح بوجود قنوات خاصة أو مستقلة، وإن وجدت فهي تابعة بشكل أو بآخر لسلطة النظام. أيضا الإنترنت الذي يعتبر من أهم مصادر الأخبار والمعلومات يخضع هو الآخر للمراقبة والحجب للكثير من المواقع التي لا ترغب فيها السلطة الحاكمة وأجهزتها الأمنية التي استعانت بخبراء من روسيا وإيران لذلك الغرض، وتم إنشاء ما يسمى الجيش الإلكتروني السوري، مهمته الترويج ونشر ما ترغب فيه السلطة والتصدي لكل ما هو معارض لها. أخيرا يتضح مما تقدم أن وسائل الإعلام في ظل نظام حزب البعث في سوريا ما تزال محكومة بالنهج الأحادي للحزب، بينما كان العصر الذهبي للصحافة والإعلام في سوريا كان خلال فترات الحكم الديمقراطي القائم على أساس التعددية الحزبية والسياسية. هناك خبرات صحافية وإعلامية سورية مهاجرة تشكل كوادر متقدمة لكثير من وسائل الإعلام في الصحافة والمحطات الفضائية العربية التي لم يتم استيعابها داخل الوطن. * كاتب وإعلامي
مشاركة :