"الملائكة لا تأكل الكنتاكي" تبحث عن الهوية المسلوبة بعد فشل ثورات الربيع العربي

  • 12/13/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تناقش معظم قصص مجموعة "الملائكة لا تأكل الكنتاكي" للروائي والمترجم عبدالسلام إبراهيم مسألة الهوية وخصوصا بعد ثورات الربيع العربي ومسألة البحث عن الأوطان والتشتت فيها، وتتضمن 78 قصة قصيرة جدا تسعي للمغايرة في رؤيتها وتجلياتها الأسلوبية. وتعد المجموعة الصادرة عن دار فضاءات للنشر هي الثالثة، حيث سبق أن صدر للكاتب مجموعتان الأولى "كوميديا الموتى"، والثانية "مسافة قصيرة جدا للغرق"، كما أن له ثلاثة أعمال روائية "قادش الحرب والسلام"، و"الطواب الأكبر" و"عرش الديناري" وفي مجال الترجمة له "اللعب مع النمر.. ومسرحيات أخرى" و"عشر مسرحيات مفقودة"، و"مختارات قصصية لأدباء جائزة نوبل" و"الراكبون الى البحر ومسرحيات أخرى"، ورواية "أشياء تتداعى" وثلاث مسرحيات لكليفورد أوديتس، وثلاث مسرحيات لـ د. هـ. لورانس، ورواية فوس لباتريك وايت وكتاب أضواء على المسرح البريطانى. وفي هذا الحوار معه نتعرف على رؤاه في هذه المجموعة القصصية الجديدة وأجواء الثقافة والترجمة مصريا وعربيا. حول رؤيته للقصة القصيرة وبداياتها مع كتابتها يقول عبدالسلام إبراهيم "حينما بدأت كتابة القصة القصيرة كنت مهموماً بقضية الشكل وكيفية صياغة السرد من منطلق التجديد ومحاولة الابتعاد عن التنميط الذي يغرق فيه الكثيرون من كُتَّاب القصة، لذا كانت تستغرق كتابة القصة كثيراً حتى تخرج بالشكل الذي أرضاه، بالإضافة الى ذلك كان عليّ أن أكتبها بلغة تُعبر عن المكان الذي لا أجد صعوبة في اختيارة ليكون مسرحاً للأحداث، لأنه ببساطة المكان الذي أعيش فيه، ربما يختار المكان الأسلوب وكيفية صياغته وربما يستخدم الزمن أسلوباً مغايراً، بمعنى أن للمكان سطوة تفرض على الكاتب اللغة المناسبة كما أن للزمن سطوة أخرى لا تقل عن سابقتها أهمية". ويلفت إلى أن القصة القصيرة ليس لها معيار معين من ناحية الطول أو القصر فمن نصف صفحة إلى عشرين صفحة، وجاءت القصة القصيرة جداً لتحسم المسألة في هذا الجانب، واختزلت الزمان والمكان في حيز صغير فجعلت اللغة أكثر تكثيفاً وقوة بلغة أكثر رصانة، ولذا نجد أن القصة القصيرة جداً جاءت لتمحو عيوب القصة القصيرة من ناحية الإطالة وكثرة الشخصيات وتمدد الزمن. كان عليّ أن أفصل ما بين الشكلين اللذين في رأيي تعرضا للتشويه كثيراً من قبل بعض الكتاب الذين لم يفهموا أيّاً منهما. فجاءت مجموعة "الملائكة لا تأكل الكنتاكي" لتكون نموذجاً للشكل الذي جاء ليعبر عن مرحلة ما بعد يناير "البحث عن الهوية والأوطان والتشتت فيها، واحتوت على مضامين جديدة بلغة أخرى وأسلوب آخر كي تواكب ومضات السوشيال ميديا التي فرضت نفسها على المجتمعات العربية". ويرى عبدالسلام أن القصة القصيرة جدا بشكل عام لا تزيد على نصف صفحة لأنها تعبر عن حالة شعورية مكثفة وإن كانت تتضمن زمناً طويلاً، لكن اللغة والأسلوب يضعانها في عدسة متناهية الصغر تنظر بعينيك من خلالها لترى المساحة الضيقة أو المنظور الضيق الذي يرسمه لك الكاتب كي ترى من خلاله ما يود أن يقوله. إذن يأخذك الكاتب لترى القصة في نقطة صغيرة وربما تتسع في مخيلتك لتكون كبيرة جدا. ويؤكد على أن ارتكاز مجموعته على الهوية يشكل نوعا من الشعور بالخطر من فقدان الحرية، ويضيف "جاءت ثورات الربيع العربي كي تتشرذم الهوية العربية وطالما فقد المواطن هويته فقد حريته. وطالما أن ثورات الربيع العربي فشلت فلن يستعيد المواطن العربي هويته المسلوبة في وقت قصير. وأرى أن الضوء الذي لاح بالثورات قد حل محله ظلام أحلك سوادًا من ظلام المستعمر، فلم تتشكل المجتمعات بالشكل الذي كان المواطنون يحلمون به في السنوات الأخيرة، لذا بدأت تظهر تكتلات وكيانات اجتماعية ليست متكافئة ثقافياً ربما تؤثر بشكل ما في تغيير الهوية التي يحلم بها المثقفون". ويلمح عبدالسلام إلى رابط خفي يربط ما بين رواية "عرش الديناري" ومجموعة "الملائكة لا تأكل الكنتاكي" و"هو إعادة تكوين العالم أو إعادة صياغة بعض المفاهيم الإنسانية التي تغيرت كثيرا في الأقصر، ومحاولة العثور عن الإنسان المتشرذم وقولبة صراع الأديان، والمكان هو البطل في الرواية والمجموعة وإن تشكل بعدة أشكال في المجموعة لكنه مكان واحد سواء في البر الغربي أو في البر الشرقي من الأقصر". ويشير إلى أن هناك تراجع للقصة القصيرة أمام الرواية، نظرا لأن الرواية تحظى باهتمام كبير في الجوائز والتي يسعى اليها الكتاب طمعا في الحصول عليها، ويرى البعض أن كتابة الرواية نوع من الوجاهة الاجتماعية، لكن القصة القصيرة لها نكهة لا يمكن أن تشمها في الرواية، لذا ستبقى القصة القصيرة حتى وإن غابت عنها الشمس قليلاً. ويوضح عبدالسلام أن القصة القصيرة تحظى بشعبية كلاسيكية بمعنى أن هناك قراء كلاسيكيين يبحثون عنها ويقرؤنها، انحسر عنها الضوء قليلاً، لكنها موجودة وربما كانت القصة القصيرة جداً هي الشكل الجديد لها وربما حلت محلها ولن تعود القصة القصيرة كسابق عهدها، لا أعرف، وأظن أنها ربما تعود بقوة اذا وضع البعض لها جوائز. وحول مشهد الثقافة والإبداع في مصر في الوقت الراهن يشير إلى ارتباط الإبداع المصري ارتبطاً وثيقاً بالثقافة المصرية ويظن أن الإبداع هو الذراع الطولى للثقافة وإن وجد الإبداع المناخ المناسب فسوف يرتقي بالثقافة ويعلو شأنها، "لكنني أشعر بأن هناك قيوداً تقيد الثقافة بشكل عام، منها ما هو معلن وما هو غير معلن، وأن هناك رجالاً يقوضون الدور الثقافي في مصر كما يحدث في هيئة قصور الثقافة وهيئة الكتاب وبعض المراكز الثقافية". أما عن تأثير كونه مترجما على رؤيته الإبداعية فيرى عبدالسلام أن "التأثير المهم الذي انعكس على رؤيتي الإبداعية لكوني مترجماً هو الالتزام والانضباط في الانتهاء من مشروعات الكتابة، وأجد في الترجمة الملاذ الآمن حينما أتوقف عن الكتابة". ويشدد عبدالسلام على أن الترجمة تمر بظروف صعبة للغاية في مصر، فبعد أن كان هناك مشروع كبير للترجمة في هيئة قصور الثقافة قد توقف أو قوضه الرجال الذين جاءوا اليها من أجل ذلك، كما أن مشروع "سلسلة الجوائز" في هيئة الكتاب يمر بظروف غير معلنة، ولم يعد كسابق عهده، والمركز القومي للترجمة يلفظ أنفاسه الأخيرة. هناك أيد خفية تعبث في الثقافة وتحاول تقويض كل المحاولات للنهوض بها، والخط البياني الذي كان يعلو مؤشره منذ خمس سنوات وكنا سعداء بسبب ذلك انحنى مؤشره للخلف وربما يعود لنقطة البداية. • نماذج من المجموعة القصصية: الكتاب الأصفر يا جان، اخرج من بين صفحات الكتاب. هكذا كان محسوب يُنادي في قلب الليل، يأتيه بأخبار الجيران والعصاة من البشر، وحينما كان يرغب في صَرفِه، يتلو عليه فقرات من الكتاب، لكنه حاول أن يصرف الصمت المُكدس بقراءة فقرات من هذا الكتاب، لكن الجان، أثناء خروجه، ارتطم ببوابة الصمت، فهوى في بئر سحيقة. الصمت عندما وصل إلى مُنتصف الطريق يبحث عن بقايا الصمت، حاول أن يبث فيها الأنفاس الهادئة، فوجدها جُثثاً طرية فارقت الحياة مُنذ قليل، فتَّش في التراب الأخضر عن قطرات الروح التي تجشأتها، كانت مُخضبة بذرات التراب الأحمر، هكذا تتحول الجمهوريات إلى دويلات. فإن لم تصدق فانظر إلى جنوب السودان. الجدار الجدار الذي بناه الخِضر في حضرة موسى، مازال حتى اليوم قائماً وقد تَشقَّقت لبناته، قال الأولياء إن الخضر يأتي كل يوم جمعة، ليُرمم حَوافه التي يهدمها البلطجية ويضعون بدلاً من طائر الحمام غربان، تنحصر مُهمة الخِضر في ترميم الجدران، لكنه ترك مُهمة مُطاردة الغربان للنبي سليمان الذي ما يزال يستند إلى عصاه حتى الآن.   محمد الحمامصي

مشاركة :