فكّوا الحصار عن سيناء

  • 1/20/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

"يا لَه من حظ عثر!" كلمات قد نسمعها ملياً من البعض ممن دفعتهم أقدارهم للنشأة والعيش في عالمنا العربي تزداد تدريجياً كلما اتجهنا صوب القارة السمراء ومنها إلى مصر تحديداً، تزداد سريعاً بمجرد وصولك إلى سيناء؛ حيث المعاناة الشديدة التي قد يلاقيها بشر على أرض هذا الكوكب الكبير، معاناة على جميع الأصعدة من نظام عسكري حاكم، أو من بعض المغيبين من أبناء الشعب المصري "وهم كثر"، فبمجرد أن يتنامى إلى علم البعض أنك من أبناء سيناء، تتغير ملامح الوجوه الملطخة بالأكاذيب التي وضعها الإعلام الموالي للنظام في عقولهم المحدودة عقوداً طويلة، متجاهلاً أمجاداً وبطولات وطنية صنعها أبناء سيناء لا لشيء سوى إيمانهم بوطنهم الذي يتنكر لهم في جميع المناسبات. مَن ذا الذي ينكر دور أبناء سيناء منذ نكسة 1967 وصولاً إلى حرب التحرير في 1973، فهم الذين قاموا بمساعدة الجيش المصري في الوصول إلى الضفة الغربية لقناة السويس، وفي حرب الاستنزاف شكَّلوا همزة الوصل مع الأجهزة المصرية لتوصيل المؤن والمواد الغذائية من الغرب إلى الشرق، فضلاً عن المعدات الحربية، وذلك عن طريق الجمال، فالمشايخ والرجال والشباب حتى السيدات جميعهم قد وهبوا أرواحهم فداء لتراب الوطن، يوثق ذلك ما قاله اللواء "فؤاد نصار"، مدير المخابرات الحربية في ذلك الوقت للرئيس الراحل أنور السادات، في حضور لفيف من القيادات السياسية والعسكرية احتفالاً بنصر السادس من أكتوبر: "سيدي لم تكن لدينا أقمار صناعية، ولكن كان لدينا هذه العيون الثاقبة والصادقة من أبناء سيناء، لقد جعلوا المواقع الإسرائيلية كتاباً مفتوحاً أمام القوات المسلحة، فلولا أبناء سيناء ما كانت حرب أكتوبر". مَن ذا الذي ينكر دور أبناء سيناء في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني حينما احتشدوا في الشوارع والميادين مطالبين بإسقاط النظام، مقدمين أول شهداء الثورة الشهيد محمد عاطف؟ والآن وبعد مرور ثلاثة وأربعين عاماً من نصر أكتوبر وتزامناً مع الذكرى السادسة لثورة يناير المجيدة، وصلت معاناة المواطن السيناوي حداً يفوق الخيال، فسيناء التي أجمع الرؤساء والمسؤولون السابقون منهم والحاليون على الضرورة الحتمية لتنميتها بدت كما لو كانت تتعرض وأبناؤها للعقاب الشديد على صمودها أمام العدو، فلا معاملة آدمية تمت ولا محافظة للحقوق والحريات للمواطن السيناوي أقيمت، وأصبحت تنمية سيناء مجرد كلمات مقتضبة في خطاب رسمي للدولة أو في أغنية جوفاء تنتجها أجهزة الدولة أو في جامعة ومصنع للأسمنت وقرية سياحية ينتفع من ورائها أحد رجال مخابرات الدولة، وتحولت سيناء بفعل هذا النظام إلى ساحة حرب دموية يعاني أبناؤها الأمرَّين؛ إذ باتوا محاصرين ما بين إرهاب الجماعات المتطرفة من جهة وبين إرهاب النظام بجيشه وشرطته من جهة أخرى، وصاروا وحدهم من يدفعون الثمن من دمائهم وأموالهم وأهليهم، ومن يطل على المشهد السيناوي رأسياً كان أو أفقياً يرى في سيناء صورة طِبق الأصل مما يحدث على أرض سوريا والعراق التي طالما اتخذ منهما النظام العسكري الحاكم فزاعة لضمان بقائه على سدة الحكم في البلاد. بل يزيد على ذلك ما يمارسه النظام من تعتيم إعلامي على ما يجري في سيناء من جرائم حرب وانتهاكات صريحة للحقوق والحريات دفعت شباب سيناء للقول صراحة إنهم لم يعودوا ليهتفوا بمطالب ثورة يناير من عيش وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية، وصارت جل أمانيهم المطالبة بالحياة فقط بعد أن قامت قوات الشرطة بقتل عشرة شباب كانت قد سبقت أن اعتقلتهم منذ أشهر ماضية تحت ذريعة اتهامهم بالقيام بعملية تفجير كمين المطافئ، التي لم يمر عليها سوى أيام معدودات!! وكأن النظام بات يرى سيناء كقفص الدواجن الكبير الذي كلما تعطش للدماء أخذ من أبنائه وذبح دون اكتراث لأي معنى من معاني الإنسانية، أما من تسول له نفسه فضح جرائم النظام وتسليط الضوء على تجاوزاته فأبواب المعتقلات مفتوحة، وخير مَن يشهد على ذلك الصحفي الزميل إسماعيل الإسكندراني المعتقل منذ ديسمبر/كانون الأول 2015 ولا يزال قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن متهماً بالإرهاب كغيره من آلاف المعتقلين. يوماً بعد يوم يزيد النظام من خناقه حول سيناء وأبنائها حتى أصبحت سجناً داخل السجن لا يدخلها أحد ولا يخرج منها بدون تصريح أمني.. يُقتل أبناؤها وينكل بهم وتقصف أبنيتهم تحت سمع وبصر الجميع دون أن تنطق بنت شفة، تماماً كما كان بنو هاشم محاصرين في شِعب أبي طالب في العام السابع من البعثة. فهل ينتفض أبناء هذا الشعب من أجل فك الحصار عن أبناء جلدتهم في سيناء كما فعلها في السابق بعض رجالات قريش المطالبين بفك الحصار عن بني هاشم، ومنهم زهير بن أبي أمية، الذي قال: "يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباعون ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة"، أم سينتهج الجميع الاستراتيجية المصرية العتيدة: لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :