لم يخفّف الإجماع اللبناني والخارجي على الإشادة بالإنجاز النوعي الذي حققتْه الأجهزة الأمنية بتوقيف الإرهابي عمر حسن العاصي في أحد المقاهي في شارع الحمراء وفي حوزته حزام ناسف، من «موجة البلبلة» حيال حقيقة ما كان يرمي اليه الانتحاري المفترض، وهل هو الذي كان مقرَّراً ان يفجرّ نفسه، وهل في المقهي الذي جرى «الانقضاض» عليه فيه ام انه كان هناك كـ «عابر سبيل» نحو «هدف آخر»؟ وتالياً هل ان ما جرى إحباطه ليل السبت كان عملية انتحارية أوشكت على التنفيذ او ان الموقوف كان في طريقه ليسلّم «طرداً» (الحزام الناسف) للانتحاري الفعلي؟ كل هذه الأسئلة بقيتْ حاضرة في بيروت لليوم الثاني وسط تأكيد السلطات الرسمية في بيروت ان أجهزتها حالت دون «مجزرة محقَّقة» في المقهى الشهير، مقابل مجموعة علامات استفهام «تسلّلتْ» من خلف تَناقُضٍ طفا على السطح بعدما أكدت إفادات شهود وعاملين في موقع العملية المفترضة ان «الانتحاري» دخله ومكث فيه نحو 20 دقيقة احتسى خلالها القهوة وطلب لوح شوكولا ليُطبِق عليه عناصر مخابرات الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي (كانوا ينتظرونه منذ ما قبل وصوله في المقهى وخارجه) وذلك بعيد عودته الى داخله اذ كان خرج لوقت قصير ليجيب على اتصال هاتفي، وهو ما لا يتّفق مع الرواية الرسمية للجيش الذي كان أكد ان «إحباط العملية الانتحارية في المقهى وضبْط الحزام الناسف المنوي استخدامه ومنْع الانتحاري من تفجيره» تم بعدما «حاول الموقوف الدخول عنوة إلى المقهى ما أدى إلى وقوع عراك بالأيدي مع القوة العسكرية». وما زاد البلبة هو الروايات المتضاربة التي تم تسريبها امس عبر الصحف البيروتية نقلاً عن مصادر أمنية والتي عزّزت علامات الاستفهام، وهي التي حاولتْ الردّ على أسئلة أطلّت برأسها بعدما تأكّد ان الأجهزة الأمنية كانت ترصد «الانتحاري المفترض» منذ ما قبل وصوله الى الحمرا، وان العاصي دخل المقهى و«أخذ وقته» قبل تنفيذ الهجوم المفترض. وأبرز هذه الأسئلة: إذا كان محسوماً ان الإرهابي كان سينفّذ عملاً انتحارياً فلماذا تُرك يدخل المقهى من الأساس؟ واذا كان عازماً على تفجير نفسه في المقهى فلماذا تأخّر وألم يكن من شأن ترْكه لنحو 20 دقيقة قبل الانقضاض عليه ان يكلّف وقوع «المجزرة»؟ ولماذا اختار الانتحاري مقهى لم يكن بداخله أكثر من 20 شخصاً في حين كان بإمكانه ليل السبت ان «يتوفّق» بـ «صيد أثمن» لو دخل اي حانة في شارع الحمراء المكتظّ بهذا النوع من أماكن السهر؟ ولماذا يُبقي انتحاري على خط هاتفه مفتوحاً ليتلقى مكالمات اذا كان فعلاً حسم أمره بتفجير نفسه وصار في «وضعية الجهوزية» النفسية واللوجستية للتنفيذ؟ وهل فعلاً الأجهزة كانت تعرف هوية الانتحاري المفترض من الأساس؟ ويمكن اختصار السيناريوات المتضاربة بالآتي: • تقارير أكدت ان المقهى المذكور (تفقّده الرئيس سعد الحريري ليل الأحد ورُفعت على زجاجه شعارات رفْض الإرهاب وتأكيد حب الحياة) كان محطة للعاصي وليس هدفاً في انتظار الايعاز اليه بالانطلاق الى مركز آخر أشدّ كثافة ليل السبت. • سيناريو أشار الى ان الأجهزة الأمنية كانت في جوّ تحضيرات لتفجيرات ينفّذها «داعش» من دون ان يتّضح الهدف ومع تركيز «العيون» الأمنية على وسط بيروت، الجميزة والحمرا، لافتاً الى طرف خيْط مصدره شعبة المعلومات وكانت تلاحقه مخابرات الجيش ويتصل بانتحاري قد يتحرّك لتنفيذ عمليته في بيروت، فبدأ الرصد التقني بعد الاستحصال استخباراتياً على رقم هاتف الانتحاري المفترض، فيما كانت هويته لا تزال مجهولة. وحسب هذا السيناريو جرى تعقّب الانتحاري منذ بداية النهار وفق حركة هاتفه، ما يعني انه كان «يختفي» عند إطفائه، وان مخابرات الجيش ارتأت نصب أكثر من مكمن له، أحدها في منطقة الكولا، فيما الآخر في المقهى حيث انتظره عناصر من القوّة الخاصة. ولدى دخوله، لم يتعرّف إليه أفراد المجموعة الى ان انكشف أمره حين أجرى اتصالين سمحا لفريق الرصد التقني بتحديد مكانه، عازياً سبب عدم تفجير الانتحاري نفسه فور دخول المقهى الى انه «فوجئ بعدد الزبائن الذي كان قليلاً وكان ينتظر اكتظاظ المقهى». • تقارير أكدت ان تقاطُع المعطيات بين «المعلومات» ومخابرات الجيش حول شخص يعتزم تنفيذ عمل إرهابي أطلقت تحريات عنه أكدت انه لبناني وكان من مؤيّدي الشيخ الموقوف أحمد الأسير وانه كان محور رصد 24 ساعة على 24، وانه استطلع «الحمراء» يوم الجمعة بعدما انطلق وهو تحت المراقبة من منزله في صيدا «فتمكّنَت الأجهزة الأمنية من معرفة الوجهة التي اختارها لتنفيذ مخططه»، وانه يوم السبت انتشر العناصر داخل المقهى وعلى الرصيف وان العناصر في الداخل كانت تعرفه (...) ودخل وجلس، وخرج لتلقّي مكالمةٍ هاتفية، وعند معاودته الدخول أقفَل العناصر في الداخل بابَ المقهى، فيما هجَم عليه العنصران اللذان كانا في الخارج. • سيناريو لفت الى ان العاصي وُضع تحت المراقبة الشديدة من مخابرات الجيش»منذ أن أصيب في أحداث عبرا (بين مجموعة الأسير والجيش العام 2013)»، وأن قوة من مخابرات الجيش فرضت عليه رقابة مشددة استمرّت منذ فترة، ولم تتوقف إلى أن فوجئت بدخوله المقهى فسارعتْ إلى الانقضاض عليه وهو كان يهم بفتح سحاب»سترته»لتفجير نفسه. • تقارير اكدت انه اعترف فور نقله إلى المستشفى العسكري بانتمائه إلى»داعش»وأنه كُلف القيام بعملية انتحارية، وانه مستعدّ لتفجير نفسه في حال أُخرج من المستشفى، مقابل معلومات لفتت الى انه لم يُدلِ بعد بأي اعترافات. وبمعزل عن هذا اللغط الكبير، واصل لبنان تلقي الثناء على ما حققته الأجهزة الأمنية، وقد حملت السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد الى الرئيس ميشال عون تهنئة بلادها «على العملية الناجحة لاحباط الهجوم الارهابي في الحمرا»، مؤكدة ان «أميركا ملتزمة بدعم شعب ومؤسسات لبنان لبناء مستقبل آمن ومزدهر».
مشاركة :