داعش من السيطرة والتمكين إلى المناورة والتضليليبحث تنظيم داعش عقب ما ألحق به من هزائم ميدانية بكل من سوريا والعراق عن موطئ قدم جديد لإعادة انتشار قواته وتركيزها بتوجيه بوصلته نحو مناطق صحراوية ونواحٍ أخرى من العالم، وهو ما يثير التساؤل عن مدى نجاعة وقدرة قوات التحالف الدولي للقضاء على التنظيم الإرهابي في تشكله الجديد مستقبلا.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/08/10، العدد: 10718، ص(6)]بحث عن موطئ قدم يزداد تنظيم داعش تواريا بعد هزيمته المحتّمة في أكبر معقل له بمدينة الموصل العراقية، فيما تتضاءل جيوب سيطرته الأساسية في مناطق مختلفة من العالم، لكن هذا التواري والتراجع إلى الوراء يقابلهما بروز مناطق أخرى آهلة يهيمن عليها التنظيم ومعيلة له لاستعادة أنفاسه، وهو أسلوب يرجعه البعض إلى سياسة متوخاة من قبل التنظيم للمناورة والتضليل. وبين هذا وذاك تختلف التحاليل وتتناقض الفرضيات ويغيب هامش المناورة في تفسير الوضع على الميدان لدى بعض المحللين، لكن ما هو مؤكد هو خروج التنظيم من مرحلة السيطرة والتمكين إلى اتباع سياسة المناورة والتضليل. فبعد تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة تنظيم داعش الإرهابي في يوليو الماضي وتضييق الخناق عليه في مدينة الرقة، أهم معاقله في سوريا، يظل نشاط أذرع التنظيم قائما في مناطق عديدة حول العالم، ما يطرح العديد من التساؤلات حول المقاومة التي يتمتع بها التنظيم وأسلوب التضليل الذي يناور به للبقاء في جيوب مخفية؟ ويرى محللون أنه يمكن إرجاع هذا النشاط إلى بحث التنظيم عن موطئ قدم جديد أو لتخفيف الضغط الذي يتعرض له داعش في سوريا والعراق، وربما لتحقيق إنجاز يستعيد من خلاله اعتباره ويستثمره لاجتذاب المزيد من العناصر بعد فقدان الكثير منهم مؤخرا. ويؤكد الباحث الألماني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ألبريشت ميتسغر، أن ما يجري على الأرض من تقدم دولي في محاربة داعش يذكّر ببداية التحالف الدولي الذي قادته دول العالم من أجل محاربة التنظيم. ميدانيا، وبالنظر إلى خارطة سيطرة التنظيم على مناطق في سوريا والعراق سابقا، يظهر تركيز داعش في الفترة الأخيرة أكثر وضوحا على مناطق صحراوية شاسعة وأخرى حدودية، لا بين العراق وسوريا فحسب بل أيضا بين الأقاليم ومناطق نفوذ القوى المختلفة فيهما. ومن المفيد التذكير بأن نشاط أذرع داعش خارج سوريا والعراق يتركز في معاقل رئيسية ثلاثة، كان أكثرها إثارة للجدل مؤخرا الجنوب الفلبيني، ومنطقة سيناء المصرية، إضافة إلى ولاية برنو الواقعة في شمال نيجيريا. أما بخصوص المعقل الأول فإن تقارير صحافية سابقة قللت من أهمية خطر التنظيمات الموالية للتنظيم هناك، من حيث حجمها من جهة وفرصها في ظل تقدم العملية السياسية بين الحكومة المركزية وكبرى التنظيمات الإسلامية من جهة أخرى.اهتمام داعش مركز في الفترة الأخيرة على مناطق صحراوية وأخرى حدودية ما يمهد الطريق لإعطاء فرص أطول للتنظيم أذرع مؤثرة يمتلك التنظيم أربع أذرع في الفلبين أبرزها جماعة “أبوسياف" وحركة “تحرير بانغسامورو الإسلامية” أو ما يعرف بـ”مقاتلي تحرير بانغسامورو الإسلامية” التي يعود تأسيسها إلى عام 2008 وتمت مبايعتها لداعش عام 2014. وفي العام 2014 ظهر تنظيم جديد موال لتنظيم الدولة الإسلامية يطلق على نفسه اسم “أنصار الخليفة”، إلا أن تقارير أشارت إلى محدودية عناصره التي تنشط في أقصى جنوب البلاد. أما المعقل الثاني للتنظيم المتطرف فيوجد في مصر ويمتد على شبه جزيرة سيناء المصرية نظرا لوجود عدة تنظيمات تتبنى أفكارا متطرفة تتفاوت في أحجامها وزخم عملياتها خصوصا في محافظة شمال سيناء. وبالانتقال إلى نيجيريا، فإن المعقل الثالث لداعش يتركز بالذات في ولاية برنو (شمال شرق)، الذي تنشط فيه بشكل واسع ومعروف جماعة بوكو حرام التي تعرف بادّعاء من يدافعون تحت رايتها امتلاكهم لمشروع وأجندات خاصة والتي تلتقي مع داعش في الجرأة على ممارسة أبشع أشكال العنف دون اكتراث لتضرر المدنيين. عموما، متعددة هي الاعتبارات التي تبقي على جيوب داعش قائمة وتزداد مطلبية وتغوّلا في مناطق بعينها من العالم في ظل عمليات الإسناد التي يتلقاها التنظيم من بعض التنظيمات التي بزغ عودها بعد دحر التنظيم في أكثر من مكان من العالم. إلى جانب مركزه في سوريا والعراق وأبرز معاقله سالفة الذكر، يمتلك التنظيم نفوذا في العديد من دول العالم، خصوصا التي تشهد اضطرابات أمنية، في حين يمتلك في بعضها الآخر فرصا قوية للنمو، ويواجه في أخرى مقاومة سواء من قبل الحكومات أو الجماعات المتشددة الأخرى خصوصا تلك الموالية لتنظيم “القاعدة”. وهو ما يطرح جدلا حقيقيا بدأ في الصعود خلال السنوات الأخيرة بين الموالاة لتنظيم داعش أو القاعدة. وهنا يجد التنظيم مقاومة شرسة من تنظيم القاعدة في مناطق سيطرة الأخير رغم أن الاختلاف يبدو جليا بين كلا التنظيمين وإن كان المسمى واحدا. وتعد باكستان وأفغانستان من أبرز الدول التي تعاني من نشاط “ولاية خراسان”، ذراع داعش في المنطقة منذ عام 2015، والذي يمتد نشاطه ليطال الهند وبنغلاديش، ويتراوح عدد عناصره بين 600 و800، وفق تقديرات للجيش الأميركي مطلع العام الجاري. ويتركز وجود التنظيم في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان، ويواجه نشاطه في هذه المنطقة مقاومة شرسة من الحكومات والجماعات الأخرى، خصوصا حركة “طالبان” الأفغانية ذات النفوذ الكبير والتي تتبنى أفكارا جهادية أقل تطرفا استنادا إلى ما يطفح به مراقبون. وفي باكستان، ينشط منذ عام 1996 تنظيم آخر يطلق على نفسه اسم “جند الله”، وقد ارتبط بداعش عام 2014. فيما تشير تقديرات عام 2015 إلى امتلاكه بين 400 و1000 عنصر، إلا أنه يركز نشاطه على استهداف الأقليات في البلاد، خصوصا الشيعية منها.إلى جانب مركزه في سوريا والعراق وأبرز معاقله سالفة الذكر، يمتلك التنظيم نفوذا في العديد من دول العالم، خصوصا التي تشهد اضطرابات أمنية مناطق آهلة في وسط آسيا عموما وأوزباكستان خصوصا تنشط منذ عام 1998 “حركة أوزباكستان الإسلامية” التي أعلنت انضمامها إلى داعش عام 2015. وعلى الجانب الآخر تعد ليبيا من أكثر الدول التي تعاني من نفوذ للتنظيم نظرا لحالة عدم الاستقرار فيها منذ اشتعال الربيع العربي عام 2011، ولاتساع مساحة صحرائها التي تفصلها عن دول أفريقية مجاورة تعاني هي الأخرى من ضعف أمني. إلا أن هزيمة التنظيم في أكثر من جبهة في ليبيا آخرها سرت، مطلع العام الجاري، دفعت ما تبقى من عناصره إلى الفرار نحو المناطق الصحراوية جنوب المدينة أو عبرها إلى خارج ليبيا. رغم الطابع الإرهابي الذي يتصف به داعش في العديد من دول العالم الأخرى، وإن كان قد أعلن عن تشكيل أذرع في أغلبها، فإن حجمه ونشاطه لم يصلا إلى مرحلة بسط التنظيم لكامل نفوذه عليها. ومن بين تلك الدول الصومال (تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال) واليمن (تنظيم ولاية اليمن)، اللذين لا يتجاوز عناصر داعش في كل منهما 300 عنصر دون تأثير كبير في ظل حضور قوي لأذرع “القاعدة” في البلدين. وهنا من المفيد التذكير بالجهود التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل تدريب قوات يمنية مكنت من إعادة استرجاع محافظة شبوة الواقعة تحت سيطرة تنظيم القاعدة في مطلع الأسبوع الجاري. كما ينشط التنظيم في منطقة الساحل الأفريقي والجزائر، إلا أن تعداد عناصره لا يتجاوز العشرات، فيما يتميز بتأثيره المحدود في إندونيسيا من خلال مجموعة تطلق على نفسها اسم “كتيبة نوسنتارا". ويسعى التنظيم حول العالم إلى تأسيس أذرع مشابهة أو دفع ما يعرف بـ”الذئاب المنفردة” و”الخلايا النائمة” إلى تنفيذ هجمات من ذلك القبيل، خصوصا في الدول العربية والإسلامية التي اعترفت تقارير دولية بأنها كانت على مدار السنوات الأخيرة المتضرر الأكبر من إرهاب داعش. كاتب من تونس
مشاركة :