صلة الأرحام والعمر! - مقالات

  • 1/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سألتني أم لفتاة مراهقة عن بعض مشاكلها مع ابنتها وكيف تستطيع أن تتواصل معها بشكل أفضل. فقلت لها في فترة المراهقة يقل تأثير الوالدين ويزيد تأثير الأصدقاء والأقرباء من المقربين لهم. ثم سألتها هل لديك أخوات فيمكن أن تعتمدي عليهن للتواصل مع ابنتك؟ أجابت لدي خمس أخوات، لكنني لا أتحدث مع أي منهن! للأسف موضوع قطع العلاقات العائلية أصبح موضوعاً متكرراً نراه في العديد من العائلات على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم العلمية والمعرفية. كما نرى تعارضا بين الوضع الفعلي والاحاديث التي تحث على صلة الرحم وكيف أنها تطيل العمر لكن ما نراه حالياً أنها قد تقصر العمر بسبب كثرة المشاحنات والخلافات الموجودة في العوائل! فهل هذه الأحاديث تتحدث عن أمور غير قابلة للتطبيق أم هناك مشاكل في التعاملات بين الأشخاص؟ ولماذا سابقاً كان يعيش الأخوان بل والضرات في بيت واحد لسنين عديدة والآن لا يستطيعون تحمل بعض ليوم واحد في الأسبوع والذي هو يوم الزيارة العائلية؟ فهل الأشخاص أصبحوا سيئين أم هناك أمر آخر؟ الخطوة الاولى لحل هذه الإشكالية هي التوقف عن رؤية الابيض والأسود للأمور وتصور الأمور القديمة هي الخير المطلق والتغييرات الجديدة بأنها الشر المطلق حيث أنه في الواقع الخير والشر المطلق لا ينطبق إلا على أمور قليلة جداً. النقطة الثانية هي أننا لو تمعنّا في التاريخ التطوري للإنسان منذ البداية إلى الآن لوجدنا أنه يسير على خط ثابت وبطيء نحو «التفرد». فكما يقول تعالى كان الناس أمةً واحدة لكنها لأسباب مختلفة انفصلت عن بعض وهذا الانفصال ليس أمراً سيئاً حسب التعبير القرآني. هذا السير نحو التفرد والذي كان بطيئاً جداً حتى 50 أو 60 سنة الماضية أصبح سريعاً جداً في هذه الأعوام بحيث اصبح الإنسان غير قادر على التأقلم مع سرعة الفردانية الحديثة واصبح يتخبط في العلاقات الإجتماعية حتى مع أقرب الأشخاص اليه. فالإنسان السابق الذي كان يشبه أباه واخوته وأبناء عمومته أصبح الآن مختلفاً عنهم جميعاً واصبح لكل فرد شخصيته الخاصة به وأراؤه ورغباته وعاداته وطبائعه. ولأننا خصوصاً في الثقافات الشرقية لم نتعود بعد على ثقافة الاختلاف وتقبل المختلف عنا في الرأي والطبع بل وحتى الذائقة زادت الخلافات لدينا حتى في العائلة الواحدة. وتحولت الزيارات العائلية من أوقات ممتعة إلى ساعات ضغط وتوتر وأحياناً خلافات ومشاجرات تنتهي إلى قطع العلاقات.في هذه الظروف قد تكون هذه الملاحظات مفيدة للتقليل من التوتر في صلة الأرحام: - التقليل من ساعات الزيارة الأسبوعية واستبدالها بزيارات قصيرة خلال الأسبوع. ففي بعض العائلات تستمر الزيارة الأسبوعية لمدة سبع ساعات متواصلة أو أكثر مع وجود جميع الأبناء والأحفاد ومن الطبيعي أن تحصل مشاحنات وخلافات خلال هذه الفترة. - التمرين على تقبل الاختلاف وعدم ربط تقبل الآخرين بتشابههم التام معك ومع معاييرك وطبائعك ورغباتك. - عدم تحويل الزيارة العائلية إلى صالة عرض للماركات العالمية والتفاخر والتعيير، فمتعة الانسجام العائلي وضرورته للصحة النفسية يفوق كثيراً متعة شراء أغلى الماركات. - خفض مستوى التوقعات وبالتالي الطلبات والمعاتبات، حيث إننا بشكل طبيعي نتوقع من الأقربين ما لا نتوقعه من الغرباء لكن هذه التوقعات غالباً لا تتحقق ليس لأنها بالضرورة توقعات خاطئة بل ربما لا يعلم بها الطرف الآخر أو لا يستطيع تلبيتها، لذلك نحن من يجب أن نعدل توقعاتنا ونخفض مستواها. في النهاية كما هو الحال مع جميع الأمور الفردية والاجتماعية في كل المجالات الإنسانية لا يوجد سبب واحد لأي حدث كما توجد حلول متعددة لكل مشكلة، فما ذكرناه من أثر التفرد على صلة الأرحام ليس إلاّ سببا واحدا من بين أسباب متعددة. لكنه قد يكون سبباً مؤثراً جداً. mosawi.75@gmail.com

مشاركة :