الغرب نظر إلى الإنسان من خلال عين واحدة فقط، بحيث ركز على الجانب المادي في الإنسان وأغفل الجانب الروحي، وتطرف في هذه الناحية بحيث أصبح لا يمشي على الأرض بصورة متوازنة، وهذه شهادات المفكرين منهم والعقلاء، ولكنها كصرخة في وادٍ سحيق هيهات أن تجد لها آذاناً صاغية! يورد ألكسيس كاريل، الحاصل على جائزة نوبل في العلوم، وصاحب الكتاب القيم «الإنسان ذلك المجهول»، والذي ينقد فيه الحضارة الغربية نقداً علمياً رصيناً، في كتابه «ان الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب؛ لأنها لا تلائمنا، فقد أُنشئت من دون أي معرفة بطبيعتها، إذ إنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس وأوهامهم، ونظرياتهم، ورغباتهم، وعلى الرغم من أنها أُنشئت بمجهوداتنا، إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا» ويقول البروفيسور رينيه دوبو، أكبر علماء البيولوجيا الأميركي الجنسية، الفرنسي الأصل، والحائز جائزة نوبل، في كتابه «إنسانية الإنسان»، إن «الحياة الشاذة التي يعيشها عامة الناس الآن تخنق وتعطل التفاعلات الحيوية الضرورية لسلامة الإنسان العقلية، ونمو الإمكانات الإنسانية». ويقول رئيس بلدية كليفلاند: «إذا لم نكن واعين فسيذكرنا التاريخ على أساس أننا الجيل الذي رفع إنساناً إلى القمر... بينما هو غائص إلى ركبتيه في الأوحال والقاذورات». ويذكر الأديب الأميركي الكبير جون شتاينيك، أعظم كُتّاب القصة في أميركا، في خطاب أرسله إلى صديقه إدلاي إستيفنسون، مرشح الحزب الديموقراطي لرئاسة الجمهورية في 1951 - 1956، ونشر هذا الخطاب الأستاذ أحمد بهاء الدين في صحيفة «الأخبار» 12 /2 /1960، «إن مشكلة أميركا هي ثراؤها، وأن لديها أشياء كثيرة، ولكن ليست لديها رسالة روحية كافية». وقال: «لو أنني أردت أن أُدمر شعباً، فإنني أعطيه أكثر مما يريد، فهذه الوفرة تجعله جشعاً تعيساً مريضاً؛ إن شعبنا لا يمكن أن يعيش طويلاً على الأسس الحالية لحياته». وها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب يكرس الاستبداد من خلال منعه مواطني 7 دول عربية وإسلامية من دخول أميركا رغم استيفائهم الجوانب القانونية للدخول والإقامة؟ الإحباط السياسي والروحي آخر محطات الغرب: تلك الروح التي عبر عنها جان بول سارتر في أعقاب الحرب الأخيرة... والذي يتذكر ما قاله الكاتب الفرنسي في الأعداد الأولى من مجلة «العصور الحديثة» يجده يصرخ ويقول: «لقد انتهت الحرب في فرنسا الجائعة، ولكن السلام لم يبدأ، إننا نعيش في محنة ما بين حربين، لقد كذب هؤلاء الذين قالوا، إن السلام من طبيعة الأشياء، وإن الحرب مسألة عارضة... فما هذا الذي نحن فيه؟ إنه الحرب والسلام معاً، إنها المحنة دائماً»! وقد عبر عنه الشاعر الألماني بروشرت الذي توفي سنة 1947، في قصته «أمام الباب»، قائلا:«نحن جيل بلا رابط ولا عمق، عمقنا هو الهاوية، نحن جيل بلا دين ولا راحة، شمسنا ضيقة، حبنا وحشية، وشبابنا بلا شباب، إننا جيل بلا قيود ولا حدود ولا حماية من أحد». يقول ليوبولد فايس النمسوي، الذي أسلم بعد طول معاناة، في كتابه «الإسلام في مفترق الطرق»، «إن المدنية الغربية لا تجحد الله البتة، ولكنها لا ترى مجالاً ولا فائدة لله في نظام فكرها الحالي». ويرى «ان الأوروبي الحديث سواء عليه أكان ديموقراطياً أم فاشياً، رأسمالياً أم بلشيفياً، صانعاً أم مفكراً يعرف ديناً إيجابياً واحداً، هو التعبد المادي والشهوات». المثل العليا وقواعد القانون الدولي: لم تحقق دول العالم الأول المثل العليا التي طالما اوهمت الشعوب المستضعفة بها، مثل العدالة الاجتماعية والحريات والمساواة، حيث تطرف النظام الرأسمالي وجعل العالم سوقاً تجارية له يسرح فيه ويمرح، وهو نوع من أنواع الديكتاتورية الجامحة، وترك الشرق الأوسط والدول النامية ترزح بأغلال التخلف؟ وفي المقابل رفع المعسكر الشيوعي شعار الانتصار للطبقة العاملة الذي قاد بالفعل إلى ديكتاتورية الحزب الواحد الذي احتكر السلطة في الدول التي تبنت النظام الاشتراكي الماركسي لمجرد الزعم بالتزام مصلحة العمال؟ والسبب يرجع في هذا كله أن العدالة المطلقة لا يمكن تحقيقها في هذه الحياة تحقيقاً شاملاً لسبب بسيط وهو عدم تساوي الناس في النظام العالمي الجديد؟
مشاركة :