أزمة حضارة الغرب

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

أمعن المؤلفان ويل وأرييل دورانت في سلسلة «قصة الحضارة» متعددة الأجزاء الصادرة بين الأعوام 1935 و1975، في سرد تاريخ البشرية، الغربي بمعظمه، وتوصيفه على أنه تراكم الأفكار والاختراعات العظيمة بدءاً بالمصريين القدماء مروراً بأثينا والماجنا كارتا أو الوثيقة العظمى والعصور الوسطى وعصر النهضة، وصولاً إلى إعلان حقوق الإنسان. وأحاطت السلسلة التي حصدت نجاحاً مدوياً ومبيعات فاقت مليوني نسخة، بقصة الحضارة الغربية والشعوب أقله في أوروبا وأميركا الشمالية، التي اعتادت على امتداد معظم سنوات القرون القليلة الماضية شرح مكانتها في العالم والزمن. واستعرض السرد التدرجي الواثق لعدد من الشخصيات العظمى كسقراط وإيراسموس ومونتيسكيو وروسو، الذين ساعدوا بشكل متقطع على دفع الأمم لمراتب أرقى على سلم المثل الإنسانية. وصاحب رواية الحضارة الغربية قيم محددة تعنى بماهية الخطاب العقلاني وأهمية حقوق الملكية والحاجة إلى مساحة عامة مطلعة دينياً غير خاضعة للسيطرة الثيوقراطية. وأرسى السرد معياراً لما يجب أن تكون عليه مؤهلات رجل الدولة، وأعطى مختلف الشعوب شعوراً بوجود مهمة مشتركة ومفردات شائعة، وحدد إطاراً لإجراء النقاش السياسي، والأهم أنه قدم مجموعةً من الأهداف المشتركة. إلا أنه ومنذ بضع عقود مضت بدأ الناس سيما رواد الجامعات يفقدون الثقة بسرد الحضارة الغربية. كما امتنعوا عن تعليمها للناس، فانقطع حزام النقل الحضاري العظيم. وأصبح الطلاب إذا مروا على الحضارة الغربية يقال لهم إنها تاريخ من الاضطهاد. ومن المذهل فعلاً ما لذلك من تداعيات عميقة الأثر، وكأن الرياح العاتية التي اعتادت تحديد مسار السفن لم تعد تهب فجأةً. ويبرز اليوم أعداء متفرقين للقيم الغربية تلك، التي لا تجد على ما يبدو مَن يدافع عنها. وتتجلى أولى العواقب في بروز المتعصبين السلطويين الذين لا يؤمنون بالقيم الديمقراطية لرواية الحضارة الغربية ولا يدعون أصلاً أنه قد آمنوا بها على غرار الديكتاتوريين السابقين. ودخلنا قبل بضع سنوات فقط في عهد الرجال الأقوياء، وتركنا وراءنا زمن أوباما وكاميرون وميركل لندخل عصر بوتين وأردوغان وشين جينبينغ وكيم جونغ أون ودونالد ترامب. وتظهر غالبية الحكومات أشبه بدول مافيات ما قبل الحداثة، في حين أن الأنظمة الاستبدادية المؤسساتية القائمة على الأحزاب أبعد ما تكون عن الاستقرار والأمان. وحلّ فيما بعد انهيار أحزاب الوسط، فاحتشدت لعقود أحزاب يمينية وسطية أو يسارية وسطية في صيغ تشبه الرأسمالية الديمقراطية التي أشارت إليها الحضارة الغربية على ما يبدو. إلا أن عدداً من أحزاب الوسط كحزب العمال البريطاني والهولندي على وشك السقوط. وتبرز على الساحة أحزاب أقليات احتياطية. أما السقوط المدوي للقيم الليبرالية فتجلى في معقلها الأول، حيث أظهرت دراسة نشرت في صحيفة «جورنال أوف ديموكراسي» أن نسبة الشباب الأميركي المؤيد للأهمية المطلقة للعيش في بلد ديمقراطي قد تراجعت من 91 بالمئة في الثلاثينيات إلى 57 بالمئة اليوم. وقد دخل العالم في دوامة من التعصب والعنف. لقد تقوض الإيمان بالغرب من الداخل، ومن المذهل تماماً بطء وتيرة المنبرين للدفاع عنه. تتمحور الفكرة الأبرز برمتها اليوم حول الافتراض بأن الحضارة الغربية رجعية وجائرة، وكل ما يسعني قوله هو إن كنتم تصفون المشهد بالرجعي والجائر فعليكم ترقب الأهوال التي تنتظرنا جراء ذلك في العالم بأسره. طموح تندرج الأحداث التي عصفت بتركيا أخيراً في سياق التيار السائد، حيث يتبدى فقدان الرغبة بالالتحاق بالفكر الأوروبي الذي ما عاد يشكل عامل جذب واهتمام. ويبدو أن تركيا تخلت عن طموحها بالانضمام لبوتقة الديمقراطيات التي لم تعد تشكل المستقبل المحتوم. تقهقر الليبرالية الغربية تحسّر العالم السياسي الأميركي أندرو ميتشا، في أحد مقالاته على فقدان ثقة الغرب، فجاءه الرد في كتاب لإدوارد لوس بعنوان «تقهقر ليبرالية الغرب»، حيث تحدث عن ضعف نفوذ الغرب وأزمة الليبرالية الديمقراطية. كما أشار إلى سيرنا في نهج التوعد المتولد عن جهل بما كلفه بناء الغرب، وغرور حيال الخاسرين الاقتصاديين للمجتمع والرضا عن متانة النظام، وهي مواقف تظهر إلى العلن منذ سقوط جدار برلين، الذي رأى فيه الغرب فوزاً ساحقاً على الشرق. لا يسعنا المضي قدماً وفق لوس، ما لم نـُجرِ تشخيصاً واضحاً يحدد الأخطاء. وإذا لم يتمكن الغرب من إعادة تنشيط الاقتصاد بما ينعكس أرباحاً لغالبية شعوبه، فإن مصير الليبراليات السياسية الفشل. الحرب المقبلة قد تدفن حضارة الغرب للأبد ألكسندر سولجنيتسين - مؤرخ روسي حضارات الغرب تقيم اعتباراً لحشو دماغ الإنسان بالمعرفة، دونما اكتراث لملء قلبه بالحب. دالاي لاما - زعيم التيبت الحضارة الغربية قد تكون فكرةً جيدة مهاتما غاندي 20 يعتبر الصحافي كونور لينش أن برووكس وغيره كثر ينظرون لرأسمالية الأسواق الحرة على أنها تقهقر للحضارة الغربية. ويشير إلى أن ثقافة الغرب قد شهدت على امتداد القرن الماضي تقريباً تغييرات هائلة منها الجيد ومنها الرديء. ويضيف:«لقد أصبحنا أكثر شموليةً وقبولاً كمجتمع، إلا أننا نزعنا في الوقت عينه نحو السطحية والمادية والأنانية. وقد لعبت آلية السوق الجزء الأكبر في هذا التحول. وفي حين أن تزايد التسامح والشمولية هما النتيجة الواضحة للحركات الليبرالية في القرن العشرين، فإن السوق نفسه لم يكن ممانعاً لتلك الحركات. ويعتبر رأسماليو العصر الحديث، بغالبيتهم مستغلي فرص بالتساوي، أما المستهلكون فهم مجرد مستهلكين بمعزل عن العرق والجنس والنوع.» وفي النهاية، بحسب لينش، فإن انهيار حضارة الغرب وربما الحضارة بأسرها، قلما يعتبر نتاج عوامل ثقافية بقدر ما هي عوامل اقتصادية وبيئية.

مشاركة :