انتشار ما يُطلق عليه مجازا «الأدب الرديء»... أصبحت ظاهرة عربية تحتاج إلى وقفة جادة وحقيقية من الباحثين والأدباء والنقاد والمفكرين والمنظرين، من أجل الكشف عن أسبابها التي دعت إلى انتشارها بهذا الشكل المريب، إلى درجة بات من الصعوبة بمكان وقفها، أو حتى التقليل من أثرها. وهذه الظاهرة لاحظتها كما لاحظها الكثير من المتابعين للشأن الثقافي والأدبي في الكويت خلال معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الأخيرة ودوراته السابقة، وكنت أتوقع أنها ظاهرة دخيلة على مجتمعنا الكويتي فقط، إلا أنني تفاجأت بأنها ظاهرة عربية بامتياز... وها هم المثقفون في مصر الشقيقة يعانون من المعضلة نفسها، خصوصا في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحالية، كما أن المثقفين في مختلف البلدان العربية يشتكون من هذه الظاهرة ويعدونها خطرا يحدق بالإبداع الأدبي، ويضعه في اختبار مؤلم. ولم تكن الصورة واضحة عندي بالشكل الذي يجعلني أطالب بدق ناقوس الخطر، وأنا أرى خلال جولاتي في معرض الكويت الدولي للكتاب بطوابير من الشباب والفتيات، ينتظرون دورهم في اقتناء كتاب موقع عليه من المؤلف، مما جعل فضولي يندفع للاطلاع على هذا الكتاب «الضرورة» الذي تتهافت عليه الأيادي، وتتلقفه في حب، ويا ليتني ما كنت قد أذعنت لفضولي، واطلعت على هذا الكتاب الذي يحتوي على ما يطلق عليه كاتبه قصائد شعرية، وهو ببساطة كلمات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالشعر، بل انها كلمات أقل من مستوى الكلام العادي الذي يقال على ألسنة الناس في الشارع، ناهيك عن البذاءة في القول والجرأة في الإسفاف، وكأنك تقرأ لشخص لا علاقة له بالتربية، ومع ذلك لدرجة أن قدرته على إبراز هذه الأخلاق التي يتحلى بها غير وارده في محتوى الكتاب. فقد كنت أتوقع أن هذه الكلمات السطحية السفيهة لن تخرج من إطار الفيس بوك وتويتر والمواقع الإلكترونية الأخرى، لأتفاجأ بأنها وضعت في كتب، والأخطر أن عليها إقبال من شبابنا وفتياتنا... لماذا... صراحة لا أدري! فالمسألة غاية في الخطورة ولا يمكن التساهل معها أبدا، ليس من خلال المنع أو الرقابة، فهنا قد ندخل في باب قمع الحريات، فكل شخص حر في نشر ما يريد، ولكننا مطالبون بالبحث عن الأسباب التي جعلت هذه الأعمال رائجة وذات إقبال شبابي كبير، هل السبب في ذلك تعالي الأدباء الكبار على القراء العاديين، خصوصا الشباب منهم، ووضع أنفسهم في بروج عاجية وحديثهم الدائم عن النخبة التي يطمحون لمخاطبتها، مما جعل الشباب الباحثون عن الأدب يلجؤون لمثل هذه الكتابات التي يرى فيها نفسه، ولا تحتاج منه لمجهود الفهم والتحليل. فلا أدعي أنني بقادر على وضع حلول لهذه المعضلة، لأنني لست بباحث نفسي، أو متخصص في هذا المجال، ولكني أضع المشكلة على طاولة زملائي الأكاديميين والنقاد والمتخصصين، كي يتفانون في شرح هذه الظاهرة وتعريفها، ومن ثم كشف أسبابها، لنأتي إلى الحلول التي من المفترض أن تكون ناجحة ومثمرة، فلا يكفينا في هذه المحنة أن نصدر التنظيرات، وكفى. نعم... «الأدب الرديء» يكتسح الساحة الثقافية، ويلتهم كل شيء جميل نعيشه، ولو لم ننتبه؟... ستكون- للأسف- العواقب وخيمة وخطيرة. * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :