كلما زاد حجم العوائق كلما زاد التعلق بالرغبة وتوافرت فرصة الإصابة بالإحباط، حيث تحول الصعوبات والمعوقات دون تحقيق الأهداف والرغبات الشخصية أو نتيجة الافتقار إلى الثقة أو الخوف من المواقف الاجتماعية. ولدى محاولة التكيف مع الإحباط، قد يتبنى الفرد سلوكا عدوانيا كرد فعل مباشر، وفيه تظهر نقمته على كل ما حوله، فيما تمثل استجابة الهروب شكلا آخر من أشكال الاستجابة للإحباطات وأسلوبا من أساليب مواجهاتها، ومن أهم هذه الأساليب أحلام اليقظة واللامبالاة ومظاهر التبلد الانفعالي والعاطفي، وهي من أكثر الطرق السلبية لمواجهة الفشل. كما أن هناك استجابات أخرى للإحباط وهي تبني أنماط السلوك الجامدة والمتكررة وغير المجدية، إضافة إلى التعميم في الحكم على الأشياء والأشخاص، حيث يمثل ذلك ردّ فعل شائعا. يقع معظمنا تحت وطأة الشعور بخيبة الأمل للاعتقاد بوقوع الضحية أو الآخرين في الإخفاق عند تحقيق الهدف أو الحلم المنشود. وتؤكد الدكتورة ديان دريهر، المدير المساعد لمعهد الصحة الروحانية والأستاذة في جامعة سانتا كلارا الأميركية، على أن البعض يلوم نفسه مباشرة بعد أيّ فشل يحدث معتقدا أنه لم يكن جيدا بما فيه الكفاية، كما قد يلقي باللوم على الآخرين فيحدث نفسه قائلا “كيف يمكن أن يفعلوا بي هذا؟”. وأيا كانت طبيعة شعور الشخص بالمرارة والحزن، فإنه شعور طبيعي ووارد إلا أن وقوعه ضحية للوم ولتقريع نفسه مع ما يصاحب ذلك من شعور بالذنب والخجل، من أكثر ردود الفعل قسوة، وتكمن قسوتها في أنها تحبط أي مسعى أو أي أمل قد يتجدد في النفس، لتصبح عائقا لمنع أي محاولة جديدة لإصلاح الأمور. من أهم الأسباب التي تجعل الأزواج أو المحبين يفقدون تدريجيا الحميمية في علاقتهم العاطفية خيبة الأمل في الآخر أما الخجل فيؤدي إلى الشعور بالعجز كما أن إلقاء اللوم على النفس يجعل الأمور تخرج عن نطاق السيطرة، وكلاهما يعمل كمصدر إحباط يعرقل أي مسعى لتحقيق طموح جديد أو محاولة لرأب الصدع ومعالجة الفشل، ولعل هذا الإحباط، بحسب متخصصين، من أكثر المحفزات النفسية التي تساعد في الإصابة بالاكتئاب. وترى دريهر بأننا نمتلك الخيار دائما مهما كان الموقف، ومهما كانت أو ستكون نتائجه على حياتنا، حيث يكمن خيارنا هذا في طريقة استجابتنا للفشل وتطويعنا له، من أجل محاولة أخرى ربما يكتب لها النجاح، هذا النوع من الخيارات يسميه علماء النفس “الكفاءة الذاتية”؛ وهو الإيمان بأن خياراتنا الذاتية ستحدث الفرق المطلوب في النتائج. لذا يتوجب علينا لمواجهة خيبة الأمل في المرة المقبلة ألّا نستسلم للشعور بالخجل ولوم أنفسنا، بل أن نسأل أنفسنا “ماذا نريد حقا؟”، ثم نبحث عن الطريق المناسب ونمضي قدما، فإذا لم نكن نملك قدرة على تغيير ما حدث، فيمكننا بالتأكيد التحكم في ردود أفعالنا عليه. وتلعب خيبة الأمل دورا محوريا في فشل العلاقات العاطفية، فالعلاقة لا تتوقف بسبب تلاشي العاطفة بل لأن أحد الطرفين أو كليهما لا يستطيع أن يعبّر عن خيبة أمله في الآخر أو في سلوك صدر عنه. في مقاله الأخير بمجلة “علم النفس” الأميركية، يرى الكاتب والباحث والطبيب النفسي الأميركي الدكتور مارك جولستن؛ صاحب كتاب “الحديث إلى مجنون: كيفية التعامل مع أناس غير عقلانيين ولا يطاقون في حياتك”، يرى أن من أهم الأسباب التي تجعل الأزواج أو المحبين يفقدون تدريجيا الحميمية في علاقتهم العاطفية، خيبة الأمل في الآخر إضافة إلى صعوبة التعبير عن خيبتهم هذه مع الشريك خوفا من نتائجها. وأوضح أن التعبير عن خيبة الأمل في هذا الجانب قد يؤدي إلى التعبير عنها بالغضب أو إنهاء العلاقة، وكلتا الحالتين تفسد أي محاولة جادة في إصلاح العلاقة وقد تؤدي إلى الاكتئاب. ومع ذلك، يؤكد جولستن على أن التصريح بخيبة الأمل على الرغم من حساسية الموقف خاصة في العلاقة العاطفية، أمر ضروري لإيصال رسالة واضحة للطرف الآخر، فإذا حدثت المفارقة ولم يتفهم الآخر هذه الإشكالية فإن إنهاء العلاقة أفضل من الاستمرار مع تحمل هذا الشعور المزعج، فهذا التعبير يحرر صاحبه من الألم والإحباط ويبرر بالتالي سلوكه المتحفظ ورغبته في الابتعاد عن مصدر الألم. وتتميز ردود أفعال الآخرين عادة بالغضب وباختيار حلول سريعة ومباشرة لحفظ ماء الوجه، إذ أن الحديث عن هذا قد يجرح كبرياءهم ويشعرهم بأنهم الطرف الأضعف في العلاقة، لمجرد أن الطرف الأول صرّح بمشاعره الحقيقية ويعدّون تصرفه هذا إعلانا واضحا بالرغبة في وضع نهاية لكل شيء، في حين أنها رغبة في التخلص من الألم لكنها تقابل في العادة بسوء فهم كبير، من شأنه أن يسبب الألم ثانية. هذه الحلقة المفرغة من سوء التفاهم بين الطرفين هي السبب الذي يجعل البعض من الناس يتجنبون التعبير عن خيبة أملهم ويكتفون باجترار رغبة داخلية ومشاعر خانقة لا تطاق. :: اقرأ أيضاً إطلاق أكبر برنامج عالمي للقضاء على ختان الإناث
مشاركة :