جلد الذات وصفة مفضلة للحد من الشعور بالذنب تجاه الأبناء بقلم: نهى الصراف

  • 3/1/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

جلد الذات وصفة مفضلة للحد من الشعور بالذنب تجاه الأبناءنسق الحياة العصرية وضغوط العمل تولد لدى الكثير من الآباء شعورا بالتقصير في حق الأبناء من حيث ضيق الوقت الذي ينبغي تخصيصه لرعايتهم ولشحن طاقتهم النفسية والمعرفية والفكرية.العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/03/01، العدد: 10558، ص(21)]الأطفال والآباء كلاهما بحاجة لتمضية وقت أطول معا الشعور بالذنب، هو الشبح الذي يطارد أغلب الأمهات والآباء أيضاً، خاصة المستجدين منهم، بسبب إحساسهم بالتقصير تجاه أبنائهم. وبعض هؤلاء يصاحبهم هذا الشعور المزعج حتى وهم في أوج حالات النجاح الأسري، سواء أكان هذا النجاح تفوق الأبناء في الدراسة أم حتى مجرد استمتاعهم باللعب في حديقة عامة، أما أغلبهم فلا يكفون عن طرح الأسئلة التي لا تحتاج إلى إجابة في الغالب، عن وجه القصور في تربية الأبناء، والدخل المادي الذي لا يحقق رغباتهم في تلبية حاجيات الصغار إضافة إلى عملية جلد الذات المتواصلة بكلمة “لو”، وخاصة عندما يخفق أحد الأبناء في إكمال خطوة من خطواته الصغيرة في الحياة اليومية أو تفوته فرصة نجاح أو تفوق أو حتى فرحة عابرة. عندما يبلغ الطفل سن دخول المدرسة، فإن بعض الأمهات يقضين الوقت في تذكر الماضي القريب كفرصة لتقريع الذات ولومها على التقصير في واجبات الأمومة المثالية؛ فبعضهن يستولي عليهن الندم لأنهن لم يقضّين أوقاتاً أطول في قراءة قصص ما قبل النوم، أو تقديم الطعام الصحي بدلاً عن الطعام المعلّب، أو حمل الطفل حالما يشرع في البكاء، والقائمة طويلة. ولعل من أكثر الذكريات التي تثير شعوراً مزعجاً بالندم تذكر مشهد تقوم فيه الأم بتوبيخ الطفل في مناسبة واحدة فقط، رغم أنفها، حيث يستمر هذا المشهد في إزعاجها حتى بعد أن يبلغ الصغير سن الرشد! هذه الذكريات التي نجبر أنفسنا على استدعائها، أشبه بأدوية لتعكير المزاج كما يصفها متخصصون، فلماذا نفعل هذه الأشياء لأنفسنا ولم كل هذا اللوم وجلد الذات؟ ولماذا نتصور أن بإمكاننا أن نسيطر على مجرى الأمور جميعها وأن تكون لنا اليد الطولى في التحكم بحياة أبنائنا، أو في أن نمنع عنهم شرّا محدقا بهم وربما نجنبهم موقفا بسيطا استدعى ذرف دمعات صغيرة جرحت خدودهم ذات طفولة بعيدة؟الشعور بالذنب مجرد عاطفة مؤقتة تنتج عن شعورنا بالخطأ في بعض المواقف ليصحح سلوكنا من أجل مصلحة الأطفال يتساءل متخصصون في علم النفس عن طبيعة هذه المشاعر المزعجة التي يمكنها أن تحوّل حياتنا إلى جحيم حقيقي، ترى هل سبق وأن عانت أمهاتنا من المشاعر ذاتها؟ وهل كانت طريقتنا في تأنيب الذات وجلدها هي وصفتهم المفضلة للحد من هذه المشاعر؟ وترى الكاتبة والصحافية الأميركية دينا كوريمتيز، في مقالها الأخير في مجلة “علم النفس” الأميركية أن الآباء والأمهات الذين عانوا من الشعور بالذنب بسبب توهمهم أنهم قصّروا في رعاية أبنائهم، هم من أفضل الأجداد على الإطلاق بسبب خبرتهم المتراكمة وتعلمهم من الأخطاء نتيجة لوم الذات المستمر، كما أنهم غير مضطرين إلى التعامل مع نوبات غضب الصغار بصورة يومية لعدم تواجدهم معهم بشكل مستمر، الأمر الذي لا يجبرهم على إفسادهم بالدلال المبالغ فيه. وهناك بعض الأسئلة الشائعة التي يرددها الأهل في سرهم، وهي تأتي في صورة لوم الذات واتهامها وتأنيبها؛ مثل أين الخطأ في ما فعلته لطفلي، هل سيؤثر هذا الفعل على مستقبله؟ وهل أبالغ في تصوراتي هذه؟.. وأكثر من ذلك، يسبب تشعب مصادر المعلومات والمصادر التي تقدم النصائح المجانية في التربية والعناية بالأبناء، تشوشا في الرؤية ويوفر أرضية خصبة لاتهام الذات بالتقصير. من جانبها، وضعت عالمة النفس الأميركية آن سميث قائمة بأهم أوجه القصور كما يراها الأهالي الذين يشعرون بالذنب تجاه أبنائهم ومن أبرز هذه الإخفاقات حسب رأي الأغلبية منهم وبحسب الاستطلاعات النفسية: عدم تواجدهم بصورة كافية مع الأبناء، عدم استماعهم لهم في أغلب الأحيان، تركيزهم أساسا على الوظيفة والأعمال المنزلية، اللجوء إلى الانتقاد واللوم والصراخ بكثرة، كونهم قدوة سيئة للأبناء، وغير ذلك الكثير الذي يكشف عن مدى الضغوط النفسية التي يواجهها هؤلاء جراء حساسيتهم غير المبررة أحياناً. إلا أن سميث تؤكد على أن الشعور بالذنب مجرد عاطفة مؤقتة وليس حكما بالسجن مدى الحياة، وهو ينتج عن شعورنا بالخطأ في بعض المواقف ليصحح سلوكنا من أجل مصلحة الأطفال، فهو شعور مؤقت يأتي ويذهب ويمكن أن يكون بسيطاً أو معقداً وفي كل حالاته يعد مؤشرا على وجود خطأ ما يستوجب الإصلاح وتجاهله يعني السلبية والوقوع تحت طائلة الخجل وتدني احترام الذات. ومع ذلك، فلا مبرر للاستمرار في الشعور بالذنب سنوات طويلة، خاصة بعد أن يكبر الأبناء ويبدأون بحصد بعض ثمار النجاح في حياتهم، فيصبح من واجبنا نحو أنفسنا أن نأخذ الأمور ببساطة في مراحل متقدمة من حياتنا، طالما ظهرت نتائج تدعو إلى الأمل والتفاؤل.لا مبرر للاستمرار في الشعور بالذنب سنوات طويلة، خاصة بعد أن يكبر الأبناء ويبدأون بحصد ثمار النجاح في حياتهم وتؤكد سميث على أنه من السهل وقوع الوالدين في فخ انتقاد الذات، حين يعتقدان أن هناك رابطا قويا بين فشل الأبناء ووقوعهم في ورطة (في الوقت الحاضر) وسلوك الوالدين في الماضي وتقصيرهما في تربيتهم، وأكثر من ذلك، يكونان متأكدين من أن المصاعب التي يواجهها الأبناء في حياتهم على مختلف مراحلها، مردها أخطاء قاتلة ارتكباها في الماضي. وينصح متخصصون أولياء الأمور الذين يعانون من الشعور بالذنب مرارا وتكرارا، بإظهار حبهم وعطفهم على أبنائهم كلما سنحت الفرصة، فذلك ربما يكون تعويضاً عن الضرر الذي تسببوا فيه (أو توهموا أنهم تسببوا فيه)، وفرصة متجددة لتأصيل الروابط بين الطرفين، فالحب مثل الشجرة لا يمكن أن تنمو وتزدهر إلا بمواصلة رعايتها والعناية بها. ويؤكد علماء النفس أن الأوان لم يفت بعد للتعبير عما نشعر به تجاه أبنائنا؛ الاعتراف بالذنب، والتعبير عن الحزن العميق الناتج عن تسببنا في معاناتهم، وتقديم اعتذار مناسب وبلطف أو تقديم تعويض معنوي، والأهم من كل هذا أن نتعلم كيف نغفر لأنفسنا.

مشاركة :