الساهر توجه إلى الشباب أولا بإيقاعات تسابق الزمن بعد أن تخلص من الوحدة الكبيرة التي حكمت الأغنية السبعينية والثمانينية تأثرا بالغناء المصري، وتجرأ أن يلحن لنفسه. العربصباح ناهي [نُشرفي2017/02/09، العدد: 10538، ص(24)] أتردد كثيرا حين أهمّ بالكتابة عن أيّ مبدع عراقي، في زمن المحنة والتأويلات التي لا تنتهي، والمناقشات الطويلة بيني وبين بعض الإعلاميين والفنانين حول القيمة الإبداعية لعدد من الفنانين العراقيين في الخارج، ولاسيما المنجز الذي حققه المطرب كاظم الساهر، آخرها ما كتبه الصديق كرم نعمة في صحيفة العرب عدد 10535. كان من جيل متحمس للأصوات الواعدة التي تطلق عنان الأغنية العراقية وتضعها في صفوف الغناء العربي، لما تمثله من إحساس، ومعان وألحان تنهل من معين الشعر العراقي بكل وجدانياته وشجنه وشلالات عواطفه المنهمرة بل وتميزه أيضا. مازلت أستذكر وسواي صورته قبل ربع قرن؛ ذلك الشاب الخجول الذي يعتلي مسارح بغداد وقبلها الموصل، ذلك الجنوبي الذي تعلم أصول الإنشاد من مدينة إسحاق الموصلي ودرس في معاهد بغداد الفن على أصوله بإشراف جيل من العمالقة أمثال منير بشير وروحي الخماش وحسين قدوري ووديع خوندة وسالم حسين، في وقت غزا فيه الفن الشعبي الريفي أذواق الشعب بالكامل نتيجة تريّف المدن وبروز موجة سبعينية قادها منير بشير لتضع لبنات الموسيقى العراقية على قواعد وأصول المقامات، وتحول كل الخزين الغنائي إلى نوتات، ومن بين التلاميذ البارزين كان الساهر وجيله من المتعلمين الذين نهلوا من معرفة هؤلاء، ولعلي وسواي من القلائل الذين واكبوا ذلك الفتى النحيل المتأبط دوما عوده، ولا يلبي الغناء إلا بمكان ذي قيمة، متحديا ظروفه الصعبة، حيث انحداره من أسرة كريمة كادحة من حي الحرية البغدادي الذي كان جل سكانه من أصول ريفية. عاش كاظم الأخ بين تسعة إخوة لكنه تميز بكونه دؤوبا في التعلم، وفي اختطاط طريق خاص له في اختياراته الشعرية وألحانه، مع صديقه “اللدود” عزيز الرسام الذي كتب أغانيه الأولى التي وضعته على منصة الشهرة بغرائب موضوعاتها وكلامها، مطلع التسعينات، ظهر كاظم كنبتة غريبة في المجتمع الفني العراقي الذي تتبارى فيه أصوات عمالقة الطرب؛ حسين نعمة وسعدون جابر وفاضل عواد وياس خضر ومائدة نزهت وسعدي الحلي ويوسف عمر وحميد منصور وقحطان العطار ورياض أحمد وسواهم. كاظم الذكي والمحظوظ أيضاً أدرك أن لا جدوى من منافسة هؤلاء إلا باثنين: كلام جديد ولحن لم يسمع من قبل! فغنى أغنيات بمثابة محاولات غريبة على ذائقة جيل السميعة في العراق الذي لا يرحم مغنياً لا يستساغ. توجه الساهر إلى الشباب أولا بإيقاعات تسابق الزمن بعد أن تخلص من “الوحدة الكبيرة” التي حكمت الأغنية السبعينية والثمانينية تأثرا بالغناء المصري، وتجرأ أن يلحن لنفسه، غنى في الكويت فتلاقفوا إيقاعاته وأحبوها بأغنية “اللي تلدغه الحية” التي فاق انتشارها كل التصورات، ثم غنى في الأردن مع سعدون جابر وتعلم معنى النجاح ليضيف عليه. كاظم مجتهد حقيقي، ومبتكر للألحان، متدخل في اختيار كلمات أغانيه ومصرّ على تلحينها، أجاد كثيرا في قصائد نزار قباني، لكن كريم العراقي الذي أعطاه أكثر من مئة أغنية أضافت إليه قيمة فنية لكون العراقي قدم المفردة العراقية النظيفة غير الغارقة في المحلية العراقية الصعبة. لكن السؤال، إلى أيّ مدى حقق الساهر نجاحاً في تقمص الثيمة العربية؟ صباح ناهي :: مقالات أخرى لـ صباح ناهي شهادة في كاظم الساهر, 2017/02/09 أرشيف الكاتب
مشاركة :