مسألة موت الحاكم وبقاؤه في الكثير من البلدان لا يعني إلا الصراع والتقاتل على كرسيه، إلا ما رحم ربي، وكذا الديمقراطيات الجمهورية التي هي نتاج حكم الانقلابات والجراح الغائرة والملايين من الضحايا في الحروب والاغتيالات للأسف.العرب صباح ناهي [نُشر في 2018/02/08، العدد: 10894، ص(24)] في مناظرة بين سفيرين، أحدهما أيرلندي وأخر عربي في لندن، عزى الأيرلندي بأن السبب في تفوقهم علينا هو توظيف الطبيعة، قائلا إن “الطقس الرديء والبرد دفعا شعوب الشمال إلى اللجوء إلى أماكن مغلقة مظلمة، في غياب إمكانية التمتع بجمال الطبيعة. وقد أدى ذلك بأجدادنا إلى الجلوس طويلاً والتفكير طويلاً، ما سمح بتوسيع مداركنا وزيادة حجم مُخِنا. في ما بعد ساعدنا عملنا الجماعي على تحقيق تنمية مطردة في مجتمعاتنا”. لكن السفير العربي قال إن “الطبيعة السمحاء في بلادنا سمحت بزيادة الجهد الفردي، الذي يستغني فيه الفرد عن مساعدة الجماعة. وقد أدى ذلك إلى توسع مدارك الإنسان ليقوم وحده بأعمال تتطلب جهود مجموعة من الناس”. وهذا جدل لن ينتهي ولم يحسم بعد في تحديد أثر الطقس على الناس ونمو عقولهم. فإذا كان الطقس يدفعهم للتكاتف في ما بينهم ويشّدهم لأن يفكروا ويتدبروا أمرهم إزاء خصم، هو الطبيعة، فإن ظروف بلدان الشرق عموما، والأوسط خصوصا غير ذلك من نعم الأرض المنبسطة والشمس المشرقة، التي تحولت إلى قدرة هائلة يستخدمها العلم لتوليد الطاقة كما منحهم الله ثروات لا حصر لها، تسهّل حياتهم، وتديمها، وجنّبهم خصما عنيدا هو الطبيعة. هذا يجعلنا نتساءل بأن كل النعم التي حبانا الله بها، لماذا لم تدفعنا سريعا أكثر من غيرنا كي ننتج بلا معوقات أو مكبلات كالتي يعيشها الناس هناك في الطرف الآخر من العالم؟ الذي تأتيه الشمس بعد أن تشرق في بلادنا وتمتصها نباتاتنا، وتزهر وتينع حقولنا، لماذا لم نزرع أرضنا الأخصب، ونستثمر باطنها الأكبر منتج للنفط، وقدرة العمل أفضل لدينا في الوصول إليه أو الأرض المشيّدة عليه؟ أظن أن الأزمة في مكان آخر ليس في طبيعتنا أو طقسنا بل تكمن في إدارة المجتمع وتراتبية، الذي خرج من أتون هيمنة خارجية استمرت قرون، ونحن لم نصحوا بعد من تلك الصدمة التي خلفتّ مجتمعاً سياسيا مرتبكاً، يتقاتل فيه الناس على السلطة والمال، الأوروبيون رفعوا شعار “مات الملك عاش الملك” ليتخلصوا من أزمة الحكم، والمشرقيون لم يحسموا بعد تداول السلطة إلا في بعض التجارب العربية للبلدان غير الجمهورية. مسألة موت الحاكم وبقاؤه في الكثير من البلدان لا يعني إلا الصراع والتقاتل على كرسيه، إلا ما رحم ربي، وكذا الديمقراطيات الجمهورية التي هي نتاج حكم الانقلابات والجراح الغائرة والملايين من الضحايا في الحروب والاغتيالات للأسف. التوافق المجتمعي سياسياً صار أكثر من ضرورة لاستمرار العيش والإنتاج معاً. صباح ناهي
مشاركة :