محمد الرياني أولُّ قلمِ حبرٍ حصلتُ عليه في حياتي هو قلم “الفيصل”، هكذا كان مكتوباً عليه، أهداني إياه معلمي في الصف الثاني الابتدائي في عادة درج عليها ذلك المعلم عندما يرى تلميذاً يقرأ قراءة صحيحة، أو كأنها هدية الأسبوع لتلميذ يختاره بنفسه، وكان يقدم هديته بطريقة مفاجئة؛ حيث يلقيه أثناء قراءة التلميذ، وبعد قلم الفيصل تلقيتُ قلم باركر 21 وأنا تلميذٌ في الصف الرابع الابتدائي من أخي الأكبر يرحمه الله-؛ حيث كان يعمل في مدينة جدة، تلاه قلم آخر وهو باركر 45 تلقيته من أخي ذاته ولكن هذا القلم جاء من مدينة الرياض، وبقي للقلم في نفسي مكانةٌّ كبيرة من حيث التدريب على الكتابة رسماً ومعنى، ولايزال إلى الآن له نفس المكانة التي تربيتُ عليها صغيراً، وقد كان للقلم مكانةٌ كبيرة ليس فقط للتفاخر ووضعه بطريقة أنيقة في الجيب العلوي؛ بل لكتابة الرسائل وتحرير الخطابات والمعاريض واختيار نوع الحبر الأزرق أو الأسود الأصلي اللائق بهذا القلم، وأذكر أن من محبتنا للقلم أننا كنا نقوم بوضعه في ماءٍ حار لفكّ الارتباط بينه وبين غطائه إذا تماسكا ولم ينفصلا، وقد علمني أحد المعلمين في ذلك الوقت كيف أفعل ذلك، ومع مرور الأيام بدأ القلم الحبر يفقد الاهتمام بظهور أقلام الفلوماستر السائل، ثم تبع ذلك أجهزة الكتابة الحديثة لتفقد الكتابةُ نكهتها وجمالها ورونقها وتمايز الخطوط بين الناس، ولم يبق للقلم سوى التأشيرات الخفيفة والتواقيع التي من المتوقع أن تختفي في المستقبل، والناظر لخطوط طلابنا اليوم يتأسف على أقلام الأمس وكراسات الخط التي كانت تعلم الطلاب خطي النسخ والرقعة، وكراسات الإملاء التي علمت الطلاب فنون الكتابة والاستماع، ما أروعها أيام الباركر، إنها أيام نبكي عليها ليس لأنها من الماضي بل لأنها قد لا تتكرر في فن التعلم.
مشاركة :