بعض الأحداث التي يشهدها كأس العالم FIFA تترك أثرها في عالم كرة القدم وتصبح لحظة تاريخية بحدّ ذاتها، والأمثلة على ذلك كثيرة كصورة بيليه وهو يحمل كأس جول ريميه للمرة الثالثة عام 1970، وثنائية ماريو كيمبيس عندما منح الأرجنتين باكورة ألقابها عام 1978، وثنائية مماثلة لزين الدين زيدان بعدها بعقدين ليعطي فرنسا أول ألقابها في العرس الكروي، كلها مناسبات ظلت محفورة في أذهان عشاق المستديرة الساحرة. بيد أن قلة من هذه المناسبات تركت صدى مماثلاً كما فعل تتويج منتخب إنجلترا باللقب العالمي عام 1966، لأن هذا الانتصار لا يزال لحظة تاريخية ألقت بثقلها على دولة بأكملها بعد مرور 50 عاماً. كل أسطورة في حاجة إلى بطل رواية، ولا شك بأن السير جيف هيرست يجسّد هذه اللحظة الفريدة في الفولكلور الكروي الإنجليزي. فهو يحمل الرقم القياسي للأهداف المسجلة في إحدى المباريات النهائية لكأس العالم FIFA، ولا يزال يتمتع بذلك حتى الآن في مباريات القمة. حسم هيرست نتيجة مباراة منتخب بلاده ضد ألمانيا الغربية 4-2 بطريقة دراماتيكية بعد أن نجح الأخير في إدراك التعادل في الدقيقة 89، بيد أن الكلمة الأخيرة كانت لهيرست الذي سجّل هدفين في الوقت الإضافي بينها الهدف الأكثر تأخيراً في إحدى المباريات النهائية. يقوم موقع FIFA.com باستحضار هذه المناسبة التي غيرت مجرى حياة هيرست حيث يلقي نظرة عن كثب حول ما وراء الأرقام القياسية لكأس العالم. اللاعب وُلد بطل الهاتريك في صفوف منتخب إنجلترا في كأس العالم 1966 في ديسمبر/كانون الأول عام 1941 وكرة القدم تسري في عروقه، حيث كان والده لاعباً سابقاً وقد التحق جيف بصفوف وستهام كمتدرب بعمر الخامسة عشرة. خاض أول مباراة رسمية له في صفوف "هاميرز" في فبراير/شباط عام 1960 حيث لعب في البداية في وسط الملعب. وعندما تم تعيين رون جرينوود مدرباً لويستهام (أصبح لاحقاً مدربا لمنتخب إنجلترا) عام 1961، قام بتحويل هيرست إلى مهاجم. بعد أن وجد فعاليته أمام المرمى قاد هيرست فريقه إلى إحراز كأس الاتحاد الإنجليزي بتسجيله في المباراة النهائية ضد بريستون نورث أند قبل أن يرفع كأس الكؤوس الأوروبية في العام التالي بعد النجاحات التي حققها على صعيد ناديه وسمعته كهداف خطير، تم استدعاؤه إلى صفوف المنتخب الوطني، وفي عام 1966 خاض أول مباراة رسمية له وتحديداً في فبراير/شباط 1966 في مباراة ودية ضد ألمانيا الغربية التي نجح في تسجيل ثلاثية شهيرة في مرماها بعدها بخمسة أشهر. على الرغم من استدعاء هيرست للعب في منتخب إنجلترا في كأس العالمإنجلترا 1966 FIFA، فقد وجد نفسه ثالثاً في الترتيب في خط الهجوم بعد الثنائي جيمي جريفز وروجر هانت، ولم يخض أي مباراة في النهائيات حتى الدور ربع النهائي. لكن إصابة جريفز في المباراة الأخيرة في دور المجموعات منحت هيرست الفرصة لفرض نفسه وقد خاض المباراة ضد الأرجنتين أساسياً في ربع النهائي وسجل هدفها الوحيد. أما الباقي فأصبح من التاريخ. فبعد أن سجل ثلاثيته الشهيرة في المباراة النهائية عام 1966 ورفع الكأس الغالية، قاد هيرست منتخب بلاده إلى المركز الثالث في بطولة أوروبا عام 1968. وبعد رحيله عن وستهام عام 1972، دافع هيرست الذي خاض 49 مباراة دولية عن ألوان أندية ستوك سيتي، وست بروميتش ألبيون، كورك سيتي وسياتل سوندرز، كما أمضى فترة على سبيل الإعارة في صفوف كايب تاون سيتي. بعد اعتزاله، دخل معترك التدريب مع أندية تيلفورد يونايتد، تشلسي ونادي الكويت قبل أن يحصل على لقب السير عام 1998. الرقم القياسي قبل نهائي عام 1966، كانت المباريات النهائية السبع الماضية شهدت أربعة لاعبين يسجلون أكثر من هدف واحد كان أولهم الإيطالي جينو كولوسي الذي سجل ثنائية في نهائي كأس العالم وتحديداً في مرمى المجر عام 1938 ليمنح فريقه اللقب العالمي للمرة الثانية. كرر هلموت ران هذا الإنجاز في مواجهة المجر أيضاً عام 1954، قبل أن يحذو حذوه كل من البرازيليين فافا وبيليه اللذين سجلا هدفين في نهائي عام 1958 في النهائي في سولنا. لم يتمكن أي لاعب من الاحتفاظ بكرة المباراة النهائية إلى أن حدث ذلك في أحد أيام من شهر يوليو/تموز عام 1966 على ملعب ويمبلي. أدرك هيرست التادل بهدفه الأول في المباراة في الدقيقة 18 بعد أن منح هلموت هالر التقدم لفريقه وسط صدمة الجمهور المحلي الأكبر عدداً. وكان هدف هالر من تلك الأهداف التي يحبذ تسجيلها صاحب القميص رقم 10 في منتخب إنجلترا. ومرر بوبي مور قائد الأسود الثلاثة الأسطوري الكرة داخل منطقة الجزاء الألمانية حيث تحرر هيرست من مراقبة الدفاع ليسجل في مرمى الحارس هانس تيلكوفسكي من مسافة قريبة. وانتظر مهاجم ويستهام حتى الوقت الإضافي ليسجل هدفه الشهير الثاني والذي أثار جدلاً. فقد تلقى الكرة من الجناح الأيمن ألن بول فاستدار على نفسه وسدد باتجاه المرمى. تخطت الكرة تيلكوفسكي دون أن يقوم الأخير بأي رد فعل وارتطمت بالعارضة وسقطت أرضاً وابتعدت عن المرمى. لوّح الحكم المساعد توفيق باكراموف برايته تجاه الحكم ليقرر الأخير احتساب الهدف. دخل قرار الحكم الأذربيجاني التاريخ حيث اطلق اسمه على الملعب البلدي في بلاده بعد وفاته عام 1993 تخليداً له. أما الهدف الثالث فجعل هيرست يدخل التاريخ ويبقى خالداً في أذهان أنصار الكرة في إنجلترا أكانوا قد ولدوا عام 1966 أم لا. ففي الدقيقة 120، كان المنتخب الإنجليزي يتقدم 3-2 بفضل هدف هيرست الثاني، وكان الجمهور المحلي يعيش أجواء احتفالية حتى أن البعض بدأ يستعد لاجتياح أرضية الملعب. تلقى اللاعب صاحب القميص رقم 10 كرة أمامية من مور فحوّلها إلى قدمه اليسرى لدى دخوله منطقة الجزاء الألمانية قبل أن يطلقها بقوة في شباك الحارس تيلكوفسكي. سجل هيرست الهاتريك المثالي،أي هدف بالرأس وآخر بالقدم اليمنى وآخر باليسرى ليحرز منتخب بلاده باكورة ألقابه في كأس العالم على أرضه. الذكريات "الهدف الأول كان الأهم على الأرجح. كنا متخلفين 0-1 وكانت عودتنا السريعة في المباراة في غاية الأهمية، كما أن هذا الهدف صُنع على ملاعب التدريب بين قائدي بوبي مور وأنا. أن تقطف ثمرة ما قمت به منذ كنت في الخامسة عشرة أو السادسة أو السابعة عشرة من عمرك في نهائي كأس العالم هو أمر رائع حقاً." "لم يتوقع أحد أن نحرز كأس العالم، لكن الفريق كان يضم شخصيات كبيرة، مدرباً رائعاً، وأعتقد بأن منتخبات عدة كانت لتنهار عندما سجلت ألمانيا هدف التعادل. كان الحافز مع ألمانيا لكن بفضل القوة وشخصية الفريق نجحنا في تخطي هذا الأمر." "قال ألف رامسي أمرا لا يزال عالقاً في ذهني إلى الأبد. كان اللاعبون يجلسون على الأرض بعد انتهاء الوقت الأصلي للمباراة وقال المدرب "انهضوا، لا أريد رؤية احد جالس على الأرض. لا يجب إظهار إلى الألمان بأنكم متعبون. سبق لكم أن تغلبتم على الفريق الألماني مرة، اذهبوا وكرروا هذا الأمر. بطبيعة الحال قمنا بذلك." "أقول للجميع في عالم كرة القدم، الكرة (التي جاء منها هدفي الثاني وهدف إنجلترا الثالث)، اجتاز خط المرمى بأكثر متر، لا جدال في هذا الأمر. لكي أكون دقيقاً، فقد سددت الكرة مع نصف استدارة وسقطت أرضاً، وبالتالي كانت الرؤية سيئة بالنسبة إلي. في الواقع ارتطمت الكرة وراء تيلكوفسكي، ولم أر جيداً بالتالي من الزاوية التي كنت فيها. لكن عندما تكون في الرابع والعشرين وتكون النتيجة 2-2 في مواجهة ألمانيا، تريد أن تشعر بأن الكرة اجتازت خط المرمى". "بالنسبة لهدفي الثالث، فالجواب عليه بصراحة هو عندما وصلت إلى مشارف منطقة الجزاء كنت أفكر بأن المباراة على شفير الانتهاء وبأني سأسددها بكل ما أوتيت بقوة بقدمي اليسرى. لو علت كرتي العارضة أو حطت في المدرجات بين الجمهور، لكان ملتقط الكرات في حاجة إلى وقت كبير لاستعادتها وإعطائها لتيلكوفسكي وقبل أن يسددها الأخير نحو المقدمة تكون المباراة قد انتهت. لكن كما تعلمون جميعاً، لقد أسأت تسديد الكرة لكنها دخلت المرمى! "والد زوجتي لم يكن شخصاً كروياً لكنه حضر إلى الملعب لمتابعة المباراة برفقة زوجته وتوقع قبل بدايتها بأن أسجل ثلاثة أهداف، وتمنيت لو راهنت على ذلك. ربما كانت الترشيحات عالية على حصول ذلك!" جيف هيرست.
مشاركة :