لا يحب أوليج سالينكو اختزال مسيرته مع المستديرة الساحرة في مباراة روسيا والكاميرون التي أقيمت في مرحلة المجموعات لكأس العالم الولايات المتحدة 1994 FIFA والتي سجل فيها خمسة أهداف جلبت له صيتاً عالمياً. لكنه في الوقت ذاته يتعامل مع هذا الإنجاز غير المسبوق بفلسفة حيث يقبل حقيقة أنه يمثًل جزءاً من تاريخه وتاريخ المنتخب الروسي بل وتاريخ كرة القدم. مسيرته يملك سالينكو كل الحق في أن يختلف مع أي شخص يوحي بأن المباراة التي احتضنتها بالو ألتو هي اللحظة البارزة الوحيدة في مسيرته. ففي 1986 حين كان عمره 16 عاماً فقط ظهر سالينكو للمرة الأولى بقميص فريقه زينيت لينجارد حين حلّ بديلاً ليحرز هدف الفوز على دينامو موسكو بنتيجة 4-3 ليحظى بإعجاب الجماهير مبكراً. وبعد ثلاث سنوات، تصدّر خبر انتقاله إلى دينامو كييف عناوين الصحف حيث كان هو أول صفقة انتقال في الاتحاد السوفيتي تشهد تبادلاً رسمياً للأموال بين الأندية. وينتمي سالينكو لأب روسي وأم أوكرانية ولذا فإن كييف كانت بمثابة موطن له. وقد عاد ليعيش فيها بصورة دائمة بعد أن قضى عقداً كاملاً يتنقل بين أندية أوروبا في مسيرة شهدت بعض النجاحات والإخفاقات في إسبانيا واسكتلندا وتركيا وبولندا. وكان سالينكو قد أعطى لمحة عن قدراته التهديفية التي ظهرت في الولايات المتحدة حين شارك في كأس العالم تحت 20 سنة FIFA في المملكة العربية السعودية حيث نجح بهز الشباك خمس مرات في أربع مباريات ليتوج بأول حذاء ذهبي في مسيرته. كما ذهب سالينكو إلى نهائيات 1994 وهو يمر بفترة رائعة حيث كان قد سجل 17 هدفاً في موسم رائع لناديه الأسباني لوجرونيس. ورغم معاناة الدب الروسي على البساط الأخضر هذه الفترة إلا أن المنافسة على التشكيلة الأساسية كانت قوية للغاية حتى أن سالينكو لم يشارك إلا كبديل في المباراة الأولى ضد البرازيل. ولعل المدهش أن الأداء التاريخي لسالينكو أمام الكاميرون جاء في آخر ظهور له بقميص الدب الروسي. فقد فضّل المدرب الجديد التي تولى المهمة بعد كأس العالم جلب وجوه جديدة للقائمة كما أن الإصابات المتكررة التي تعرّض لها سالينكو حالت دون التفكير في ضمه مرة أخرى للمنتخب الروسي. الرقم القياسيبعد أن خسر أول مباراتين له في البطولة على يد البرازيل والسويد (2-0، و3-1)، بدا موقف المنتخب الروسي قبيل مباراة الكاميرون معقداً لكنه لم يكن مستحيلاً. وكان نظام البطولة آنذاك يقضي بإمكانية تأهل صاحب المركز الثالث في المجموعة. وبعد أن تألق أمام السويد، فعل سالينكو كل ما بوسعه ليمنح فريقه فرصة التأهل. ففي الدقيقة 16، وضع المهاجم الروسي منتخب بلاده في المقدمة بصورة رائعة بعد أن أودع الكرة بين قدمي جاك سونجو الذي شارك بدلاً من أسطورة الأسود التي لا تروض، جوزيف أنطوان بيل. وفي الدقيقة 41، نجح سالينكو في إحراز هدفه الثاني حين أودع الكرة في الشباك الفارغة من على حافة منطقة الجزاء ليصيب المنتخب الكاميروني بذهول كبير. وقبل دقيقة واحدة من انتهاء الشوط الأول، أكمل صاحب القميص رقم 9 الثلاثية من نقطة الجزاء بعد تعرض أليا تسمبالار لمخالفة. شهدت هذه المباراة رقماً قياسياً آخر لكأس العالم برفقة إنجاز سالينكو: ففي بداية الشوط الثاني، نجح البديل روجيه ميلا، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 42 عاماً في تقليل الفارق ليصبح أكبر لاعب يهز الشباك في تاريخ أم البطولات. ولأن فارق الأهداف كان سيلعب دوراً حاسماً في تحديد هوية المتأهل من أصحاب المركز الثالث إلى دور الستة عشر، فإن المنتخب الروسي لم يكتف بالدفاع للحفاظ على تقدمه بل كان الخيار الوحيد أمامه هو مواصلة الهجوم. وبعد مرور 17 دقيقة من الشوط الثاني، أضاف سالينكو هدفه الرابع حين استغل تمريرة أوماري تترازدي ليعادل أرقام أساطير مثل ليونيداس، وساندور كوتشيس، وجست فونتين، وإيزيبيو، وآخرين. ولم تمض ثلاث دقائق أخرى حتى تفوق نجم الدب الروسي عليهم حين استغل عرضية ديميتري كهليستوف ليضع الكرة ساقطة فوق رأس سونجو لتصبح النتيجة 5-1. حينها عرضت الشاشة الكبيرة والتي يم يكترث سالينكو بالنظر إليها كلمة "رقم قياسي لكأس العالم". ولم يكتف سالينكو بذلك، بل صنع هدفاً لزميله في الخط الأمامي ديميتري رادشينكو الذي بدأ معه مسيرته في لينجارد ليسجل الهدف السادس. ولسوء حظ المنتخب الروسي، كانت هناك مباريات أخرى متبقية في مرحلة المجموعات وكانت الفرق على دراية بالنتائج التي تريدها للتأهل. ورغم توديع الدب الروسي للبطولة، إلا أن الأهداف الستة التي سجّلها سالينكو في نهائيات 1994 قادته للتتويج بالحذاء الذهبي مناصفة مع أسطورة بلغاريا، هريستو ستويشكوف. ذكرياتهفي مقابلة له مع موقع FIFA.com،صرّح سالينكو قائلاً "خططنا للتأهل لا سيما أنه كان من الممكن تحقيق ذلك باحتلال المركز الثالث لكن الحظ لم يقف بجانبنا. ضمّت مجموعتنا منتخبين قويين للغاية هما البرازيل الذي فاز باللقب والسويد التي توج بالمركز الثالث. كان المنتخب الكاميروني يمر ببعض المشكلات قبل البطولة لكن بدت الخلافات وكأنها قد اختفت قبل مباراتنا معهم حيث كانوا بحاجة للفوز. كانوا هم نفس الفريق الذي أحدث ضجة كبيرة في كأس العام 1990 أي قبلها بأربع سنوات. وكان روجيه ميلا قد بلغ من العمر 42 عاماً". وأضاف: "كنتُ أقيم في نفس الغرفة مع ديميتري رادشينكو ونجحنا في التسجيل في المنتخب الكاميروني. حلمت في ليلة ما قبل المباراة بأنني سأسجل عدداً كبيراً من الأهداف، أحياناً تنتابك أحاسيس كهذه. لكن بالطبع لم أتوقع تسجيل خمسة أهداف. العامل النفسي مهم للغاية في كرة القدم وكذلك كيفية الاستعداد للعب. لم يكن لدينا ما نخسره وكنا بحاجة للفوز بأكبر فارق ممكن من الأهداف وهذا ما حدث. كان الهدف الأول مهماً للغاية وبعدها تبدأ في اللعب للمتعة وتجد التوفيق يحالفك. قبل الهدف الخامس حين اقتربت من مرمى سونجو كنت أعرف أنني سأودع الكرة من فوق رأسه وأهز الشباك". وأردف: "لم أفكر في الرقم القياسي خلال المباراة. سمعت شيئاً من خلال الإذاعة الداخلية لكن كنت أركز في المباراة ولم أستمع للتفاصيل كما أن الإعلان كان باللغة الإنجليزية. بعد انتهاء المباراة، تحتم عليّ أنا ورادشينكو للخضوع لاختبار المنشطات. لعبنا المباراة في الظهيرة وبلغت درجة الحرارة يومها 40 درجة مئوية. كنا نعاني من الجفاف وانتظرنا ساعة ونصف حتى يأخذوا منا العينة. الكل في وسائل الإعلام كان يتحدّث عن الرقم القياسي لكننا لم نعرف ذلك. لم أدرك أنني أملك الرقم القياسي لكأس العالم FIFA إلا بعد أن أنهيت مسيرتي الكروية". "قبل خمس سنوات، عُرض عليّ بيع الحذاء الذهبي للإمارات العربية المتحدة حيث كان يتم التخطيط لخوض بطولة كبيرة وافتتاح متحف للإنجازات الرياضية. في النهاية لم تنعقد البطولة ولم يكتب للمشروع النجاح لكنني كنت سعيداً بالعرض. حين طلب مني، وافقت على عرض الحذاء في مطعم في الملعب الأولمبي في كييف لكي يتمكن الناس من إلقاء نظرة عليه والتقاط الصور معه. أتمنى أن تحظى الجائزة بالاهتمام في كأس العالم روسيا 2018 FIFA لأن ذلك يمثل تقديراً للمنتخب الروسي بأكمله وليس أنا وحدي".
مشاركة :