في انتظار أن تجدد الرأسمالية نفسها

  • 2/15/2017
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

قد يجوز القول إن النادي الرأسمالي العالمي يحاول تجديد رأسماليته، بالالتفات إلى أوضاع بلدان أعضائه، وبالانتباه إلى القوة الرأسمالية الأميركية التي تحمل الكثير من مفاتيح الأداء الرأسمالي بوجهيه السلبي والإيجابي، يأتي ذلك في ظل الحديث عن انقضاء زمن النظام العالمي القديم الذي برز بعد الحرب العالمية الثانية، وفي ظل غياب بروز بديل جديد، مع أن محاولات البحث عنه شهدت سعياً محموماً منذ انهيار نظام الثنائية القطبية. لكن ماذا في حوزة الرأسمالية اليوم من رؤى ونظريات تمكن من القول أن عملية التجديد ممكنة، أو أنها قيد التأسيس والمباشرة؟ وما هي الدوافع التي تملي على النسخة الرأسمالية الحالية سلوك مسلك التجديد؟ ثم ما هي القوة أو القوى المرشحة لقيادة هذه العملية، أي للعب الدور المتقدم فيها؟ ومن أين يكون البدء، أي من أي مجالات داخلية أولاً، ليكون متاحاً لاحقاً تقدير انعكاسات تطورات العمليات التجديدية في المراكز، على سواها من بلدان الأطراف؟ الأسئلة أعلاه، يحكمها هاجس صاحب المكان الذي تنطلق منه، أي هاجس العالم الطرفي الذي ما زال مسرحاً لفوضى عارمة جاء بها «المنظِّر الديموقراطي» الأميركي، الذي أراد إعادة هيكلة الاقتصادات الدولتية، وسعى إلى هندسة التشكيلات الاجتماعية والبنى الموروثة من طريق الصدمة والقفزات البهلوانية. النتائج المعروفة تعزِّز هاجس زمان من يطرح الأسئلة أيضاً، لأنها كانت ذات تأثير حاسم على مكانه، ولأن ما يترتب عليها من مشاريع أجوبة نظرية وعملية ستساهم في تأجيج سؤال الهوية والمناطقية والجهوية، وهذه كلها مسائل تتعلق بالوجود بحد ذاته. مصدر الهواجس أن لا ثقة بالمعنيين بتحضير الإجابة عن الأسئلة، يعزز اللاثقة واقع شيخوخة الديموقراطية الرأسمالية وواقع تخبطها وانكفائها عن شعاراتها المؤسسة، ويزيد التوجس منها واقع النخب الغربية التي باتت في مواقع القرار، ونمط الشعارات الانتخابية، وفحوى الخطب السياسية التي تطلق يومياً على المنابر وفي الساحات، مما تقدمه أكثر من عاصمة رأسمالية حالية، في واشنطن وفي عموم أوروبا. تبدو الرأسمالية اليوم بلا دليل فلسفي نظري مساعد، أي أنها تفتقر تباعاً إلى ما حملته الفلسفة الغربية عموماً من نوازع إنسانية، وفي المقابل تبدو هذه الرأسمالية أنها تقرأ في كتاب الاقتصاد الواحد المكتوب بلغات عدة. سباق بلاد «الفرد الحر، والديموقراطية والمواطنة...» يغلب عليه الجري في ميادين الأسواق، وفي شوارع فلسفة المحاصصة والاقتطاع وإعادة القسمة، قسمة الموارد وتوزيع المستهلكين العالميين وفق اتفاقات هادئة وسلمية، طالما أن الحرب العالمية ممنوعة لسبب «إفنائي»، وليس لأسباب وجود الإنسانية ذاتها. قيود القسمة تبرز في قلّة عائدات البلاد المنهوبة المستهدفة بالحروب، وتبرز أيضاً في الاستنزاف الواسع للمقدرات «الأرضية»، وفي إغراق الأسواق في مقابل تراجع القوة الشرائية لجماهير مفقرة تتسع صفوفها، في بلدان المركز، وفي الديار العالمية الباقية. كل العوامل تلك تدفع إلى السؤال مجدداً: هل تجدد الرأسمالية ذاتها على صعيد إنتاجي فقط، أي من ضمن العملية الاقتصادية ذاتها؟ أم أن التجديد يتطلب الانتباه مجدداً إلى «الإنسان» الذي تغنت الرأسمالية بمقولات تعلي من شأنه؟ هذا يعني أن الإجابة قد تظلّ رقمية وفقاً لما هو سائد اليوم، أي تظل العلاقات «نقداً وعداً» وفق المأثور الماركسي، في الوقت الذي يجب أن يعاد الاعتبار إلى الجواب الإنساني الذي لا جواب غيره. لعله إحياء لكل نقاش. مسألة العولمة وإلى كيفية الدخول إلى رحابها، وإلى تنفيذ الشروط الكفيلة بتحقيق مقولة: الكل رابح في العولمة، ذلك أن الحصيلة حتى اليوم كانت خسارة شاملة أصابت فئات مجتمعية واسعة في المراكز الرأسمالية، وأصابت أوطاناً بكاملها اكتوى أهلها وعيشها بنيران العولمة المتوحشة التي انطلقت من كواليس صناعة القرار في تلك المراكز. حتى إشعار آخر، سيظل العالم مهدداً بالفوضى، فوضى الرأسمالية التي أخفقت في تجديد نفسها، وإلى أن تنجح في ذلك، لن يجدي الهروب الرأسمالي إلى الشوفينية أو الانعزال أو السعي إلى قولبة العالم وتنميطه بقوة القهر العارية.     * كاتب لبناني

مشاركة :