برلمان لبنان.. خيارات أحلاها مُرّ

  • 2/19/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مع مرور موعد دعوة الهيئات الناخبة في لبنان، 18 فبراير والذي صادف أمس، ووسط تصميم الرئيس العماد ميشال عون على رفض التمديد للمجلس النيابي الحالي أو إجراء الانتخابات على أساس «قانون الستّين»، وتأكيد رئيس مجلس النواب نبيه برّي عدم السير بقانون لا يحظى بالتوافق، ودعوة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى عدم اليأس من التوصّل إلى قانون جديد، «تضجّ» الساحة اللبنانية بأسئلة عدّة، مفادها: هل تنجح القوى السّياسية في إقرار قانون جديد للانتخابات، أم أنها ستضع العربة على طريق الفراغ النيابي؟ وهذا السؤال يفتح الباب على تداعيات هذا الواقع الذي لم يختبره لبنان يوماً منذ الاستقلال، في ظلّ غياب مادة دستوريّة تنصّ على إمكانية أن توكَل مهمّات السلطة التشريعية إلى سلطة أخرى. ونصّ المادة «62» من الدستور على أنه في حال الشغور الرئاسي، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء. وفي حال الفراغ الحكومي، تستمرّ حكومة تصريف الأعمال في مهماتها إلى حين تأليف حكومة جديدة. غير أنه لا مادة في الدستور تنصّ على أنه في حال الشغور البرلماني يُمكن للحكومة أو رئيس الجمهورية أو أيّ هيئة أخرى أن تحلّ محلّ مجلس النواب. وهكذا، مع انتهاء المهل القانونية، وعدم اجتماع الهيئة العامة للتمديد، فإنّ المجلس النيابي الحالي، بعد 20 يونيو، ستسقط عنه كل صفة دستورية: لا تشريع ولا محاسبة ولا انتخاب. سابقة حينما لوّح عون باحتمال الفراغ في مجلس النواب، دخلت انتخابات 2017 في دائرة المفاضلة بين قانون جديد أو لا برلمان. ومع اقتراب مغادرة المهل الملزمة لتوجيه الدعوة إلى الناخبين، أصبحت المفاضلة بين التمديد أو الفراغ. والمنطق الرئاسي يقول إنّ رئيس الجمهورية يرفض الابتزاز عبر فرض معادلة «الستّين أو التمديد». ويذهب هذا المنطق إلى القول بأنهم إذا أرادوا الذهاب إلى التمديد، فرئيس الجمهورية يستطيع من خلال صلاحياته الدستورية وقف عقد الجلسات النيابية لمدّة عقد كامل، والرئيس قادر على وقف الانتخابات النيابية إذا كانت على أساس «الستّين»، لأنّ إجراءها يتطلّب مرسوماً عادياً لا يصبح نافذاً إلّا بتوقيعه. أما برّي، فقد لاقى رئيس الجمهورية في ما قاله، ولم يرَ حتى حاجة إلى تفسير مستفيض لما قاله الرئيس: «أؤيّد ما قاله وأعتبره صدمة إيجابية، وليس كما يحاول البعض الإيحاء بأنه يلوّح بالفراغ. لسنا ذاهبين إلى فراغ، ولن يكون ثمّة فراغ، لأن أحداً لا يريده. تأكّدوا. هذا ما لن نصل إليه أبداً». ومع إصرار رئيس الجمهورية على رفض إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون القائم.. وإلا، فإنّ الفراغ هو «أهون الشرور» بالنسبة له، وهو لا يتوانى عن التلويح بورقة مستورة، من شأنها أن تحمل طبّاخي القانون على الانتظام في خطّ واضح يؤدّي إلى ولادة مشروع توافقي يدفن «قانون الستّين» (يعتمد القضاء دائرة انتخابية واحدة) إلى غير رجعة، وإلا «خيْطوا بمسلّة الفراغ النيابي»، تجدر الإشارة إلى أن لبنان، في تاريخه الحديث، لم يشهد فراغاً فعلياً في السلطة التشريعية، ولو أنها عاشته بشكل مقنّع على صورة تمديد. هنا، يستند رئيس الجمهورية إلى المادة «55» من الدستور التي نصّها: «يعود لرئيس الجمهورية، في الحالات المنصوص عنها في المادتين 65 و77 من هذا الدستور، الطلب إلى مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. فإذا قرّر مجلس الوزراء، بناءً على ذلك، حلّ المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحلّ. وفي هذه الحال تجتمع الهيئات الانتخابية، وفقاً لأحكام المادة 25 من الدستور، ويُدعى المجلس الجديد للاجتماع في خلال الأيام الـ15 التي تلي إعلان الانتخاب». وتضيف: «تستمرّ هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد. وفي حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة 25 من الدستور، يُعتبر مرسوم الحلّ باطلاً وكأنه لم يكن ويستمرّ مجلس النواب في ممارسة سلطاته». الفشل والنجاح وليس معلوماً ما إذا كان ما فشلت الكتل النيابية الأساسية في حلّه خلال أربع سنوات من النقاش والمفاوضات يمكن أن تحله في المهلة الباقية، كما ليس معلوما إذا ما كان النافذون مستعدين لتغيير مواقفهم. فعون متمسّك بموقفه أنه لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ما لم يصار إلى إقرار قانون جديد، فيما يعلن الحزب التقدمي الإشتراكي برئاسة النائب وليد جنبلاط صراحة أنه ضد إعتماد النسبية في القانون الجديد ويصر على إجراء الإنتخابات وفق القانون الحالي. ويحبّذ تيار المستقبل استبعاد النسبية ويقبل بنظام إنتخابي مختلط يتضمن انتخاب عدد من النواب على أساس النظام الأكثري أي يفوز المرشح الذي يحظى بنصف أصوات المقترعين زائداً صوتاً واحداً. جبهة العمل الإسلامي في لبنان، أكدت ضرورة التوافق بين الأفرقاء السياسيين على إقرار قانون انتخابي جديد يحفظ أصوات الناخبين ويحقق الإرادة الشعبية وصحة التمثيل بعيدا من لغة المحاصصة المعهودة وشراء الذمم والضمائر. وهي ترى أن قانون النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة أو المحافظات هو القانون الأفضل والأمثل والجدير للوصول إلى المواطنة الحقيقية من خلال مشاركة جميع شرائح المجتمع اللبناني وتمثيلهم في الندوة البرلمانية، وهو القانون الذي يحقق العدالة والمساواة وصحة التمثيل كما هو مطلوب”، لافتة إلى أن “قانون الستين ولو كان معدلا والقانون المختلط لا ينصفان الطوائف والأقليات. بل يمهدان لحقبة جديدة من الظلم والتبعية والاستلحاق لأن الأكثرية ولو كانت بـ 51 في المئة تبقى هي المسيطرة، وبالتالي فإن الحال يبقى على ما هو عليه الآن، وتذهب صرخات الشعب والمجتمع المدني وشريحة واسعة جدا ومن مختلف الطوائف اللبنانية سدى وكأنها صرخة في واد”. قراءات من الزاوية السياسية، وبحسب مصادر بارزة، لا يبدو أنّ فرضية الذهاب إلى تمديد جديد للمجلس مطروحة بشكل جدّي، بل هي مستبعدة كلّياً، إذ أن غالبية القوى السياسية الأساسية قد حسمت موقفها رفضاً لهذا التمديد. وما قاله الرئيس عكس صورة مكمّلة: رفض تمديد ولاية مجلس لم تتغيّر صورته لديه منذ عام 2013، وإن انتخبه رئيساً للجمهورية كي ينقذ الاستحقاق في ذاته، إلا أنه يرفض أيضاً إجراء انتخابات نيابية تبعاً للقانون الذي يعيد انتخاب المجلس نفسه، في ظلّ خلل تمثيلي ميثاقي لا يزال مستمراً منذ عام 1992. ومع الإشارة إلى أن بعض القوى السياسية الأساسية قرّرت مقاربة الموقف الرئاسي من زاوية محاولة الضغط الإيجابي لإنجاز قانون انتخابي جديد، دون الغرق في جدل حول الصلاحيات الرئاسية وحدودها، فإن بعضها الآخر قال إنه كان في إمكان الرئيس أن يلِج باباً آخر لا يثير من خلاله أيّ التباسات، كأن يتمّ تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر، من قبل عدد من النواب، يرمي إلى وقف العمل بقانون الستّين، ويدعو إلى التصويت عليه في مجلس النواب. أما من الناحية التقنية التشريعية، فإنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يمنع التمديد، إذا ما قرّر المجلس النيابي إصدار قانون لهذه الغاية. علماً أن فترة الشغور التي تستمرّ فيها هيئة المكتب بتصريف الأعمال تقتصر على 3 أشهر كحدّ أقصى، بحسب المادة «25» من الدستور. وهذا يعني، بحسب قانونيّين، الدخول في مسار سياسي ودستوري، عنوانه الفراغ، لا يمكن لأحد أن يتكهّن بكيفية الخروج منه أو النتائج التي قد تنتج منها. وعلى نحو كهذا، تختلط المهل بعضها ببعض لتضع الانتخابات النيابية أمام مصير ملتبس ومشوّش. وسط هذا الجدل تضيق المهل القانونية إذ يجب دعوة الهيئات الناخبة قبل 90 يوماً من موعد الانتخابات المقررة في 20 مايو المقبل. في المحصلة، واستناداً إلى مصادر نيابية، قد لا يكون للكلام الرئاسي أيّ مفعول حقيقي، ذلك أنّ المادة 59 من الدستور تعطي الحقّ لرئيس الجمهورية بتأجيل انعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً فقط، وليس لمدّة عقد كامل. كما أنها لا تعطيه الحق في أن يفعل ذلك مرّتين في العقد الواحد. علماً أن المجلس يجتمع، كهيئة عامة تشريعية، في عقدَين عاديَّين، أمد كلّ منهما شهرين ونصف، يبدأ الأول في أوّل ثلاثاء بعد 15 مارس وينتهي في آخر مايو. ويبدأ الثاني في أوّل ثلاثاء بعد 15 أكتوبر وينتهي آخر السنة. قانون الانتخاب: حكاية عتيقة من عمر «الطائف» يعيش اللبنانيون على أمل إقرار قانون انتخابي جديد يؤمّن صحّة التمثيل، بعيداً من المصالح الخاصّة والمناكفات والكيديّات، إلّا أنّ الانقسامات الحادّة بين الأطراف السياسية لا تزال تعوق التوصّل إلى مثل هذا القانون. وفي الانتظار، يجدر التذكير بأنّ قصّة اللبنانيين مع قانون الانتخاب بدأت قبل التوصّل الى «وثيقة الوفاق الوطني»، أو ما يعرف بـ«اتفاق الطائف» (22 أكتوبر 1989)، التي أنهت الحرب الأهليّة اللبنانية (1975- 1990)، وبعدها. ذلك أن مسيرة هذا الاتفاق الذي نادى بصحّة التمثيل وعدالته في مجلس النواب اصطدمت بمواقف متناقضة للقوى السياسية. ومنذ ذلك الحين، اعتاد اللبنانيون الاقتراع في كلّ دورة انتخابية وفق قانون انتخاب مختلف لا يبصر النور إلّا قبيل موعد الانتخابات. جردة حساب وفي جردة حساب سريعة، وفيما قضى «اتفاق الطائف» بأن تكون الدائرة الانتخابية هي المحافظة بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري، فإن التطبيق الأوّل لهذا الاتفاق عام 1992 جاء استنسابياً: اعتماد القضاء دائرة انتخابيّة واحدة في محافظة جبل لبنان، دمج محافظتَي الجنوب والنبطية بدائرة واحدة، واعتماد كلّ من محافظات بيروت والشمال والبقاع دائرة واحدة. والمشهد تكرّر عام 1996. خلال انتخابات عامّي 2000 و2005، أعيد تقسيم معظم الدوائر، الى أن تمّ اعتماد «قانون الستّين»، عام 2009، الذي يقوم على أساس اعتماد القضاء دائرة انتخابية واحدة، ما شكّل خروجاً فاضحاً على «اتفاق الطائف» وعودة بلبنان انتخابياً إلى العام 1960. أمّا الانتخابات التي كانت مقرّرة عام 2013، فلم تجرِ، في ضوء العجز عن التوصّل إلى قانون انتخابي جديد نتيجة انقسام القوى السياسية بين متمسّك ببقاء «قانون الستين»، والذي ما زال نافذاً حتى الآن وستُجرى أيّ انتخابات على أساسه ما لم يصدر قانون جديد، وبين داعٍ إلى قانون بديل. وكان أن مدّد المجلس ولايته، للمرّة الأولى بعد «اتفاق الطائف»، حتى عام 2014، ثم كرّر هذا التمديد مرّة أخرى حتى سنة 2017.

مشاركة :