توصلت دراسة أجرتها مؤخرا كلية هارفارد للأعمال إلى أنه في ظل وجود المزيد من التنقيحات، تضاءل منسوب التحيز والتناقض لدى صانعي المحتوى المتطوعين وأصبحوا أكثر ميلا إلى التخلي عن الانحياز. العربشيماء رحومة [نُشرفي2017/02/20، العدد: 10549، ص(12)] يشهد العالم بفضل الثورة الرقمية التي وسمت السنوات الأخيرة، يرجح الخبراء أنها تتجه نحو خلق ثورة تكنولوجية رابعة، تحولات جذرية في المشهد الإعلامي أعاد تشكيل الكرة الأرضية بحيث انتفت الحدود بين مختلف البشر. ويعود الفضل في ذلك إلى سرعة انتشار الأخبار التي كانت في ما مضى مرتبطة بالصحافة والإذاعة والتلفزيون، لكنها اليوم وبفضل التطور التكنولوجي الحاصل وامتداد ذبذبات الإنترنت في كامل العالم، صارت أكثر ذيوعا وأوفر مادة. هذه الوفرة خلقت الأرضية المناسبة لاندساس ما يسمى بالإشاعة وهي الأخبار الزائفة التي باتت تعتلي منصات مواقع التواصل الاجتماعي ويتم تداولها بين العامة والخاصة بشكل سريع لأنه تقع قولبتها في صورة مثيرة للفضول. وتمثل هذه الأخبار الزائفة اليوم جزءا كبيرا من المعلومات المتداولة بين النشطاء في المواقع الاجتماعية، وهي غالبا ما تكون على شكل روابط غريبة. تغلغل الأخبار الزائفة في حياة مستخدمي الإنترنت اليوم أصبح يشكل تهديدا لبعض القضايا العالمية الكبرى من ذلك قضية اللاجئين في ألمانيا التي يتم اعتمادها لترويج الأخبار الزائفة قصد التشويش على الانتخابات المزمع إجراؤها في البلاد في شهر سبتمبر من هذا العام. وقد أوردت صحيفة فاينانشل تايمز خبرا مفاده أنه تم ترويج تصريحات زائفة لرينات كونست، وهي نائبة عن حزب الخضر الألماني، وتمثلت في كونها علقت على عملية اغتصاب وقتل ارتكبها مؤخرا أحد طالبي اللجوء الأفغان في حق طالبة ألمانية، “رغم أن الشاب اللاجئ مصاب بصدمات نفسية أسفرت عن مقتل أحد الأشخاص، إلا أنه مازال علينا مساعدته”. لكن كونست لم تقل ذلك البتة، بل إن شخصا في سويسرا كتب ذلك على فيسبوك ونسبه إليها. ونقلت هذه الكلمات إحدى المجموعات اليمينية، “المقاومة الألمانية الوطنية”، بهدف نزع المصداقية عن حزب الخضر الذي يتبع منهجا ليبراليا تجاه قضية اللاجئين. فيسبوك يطرح تقنية جديدة في ألمانيا لتصفية الأخبار ومراقبة القصص المشبوهة وأوضحت الصحيفة أن الألمان يخشون اختطاف انتخاباتهم المزمع إجراؤها في سبتمبر المقبل، عن طريق ترويج الأخبار الزائفة وفسح المجال أمام أصحاب نظريات المؤامرة والأيديولوجيات العنصرية والمعلقين على مواقع الإنترنت لمضايقة من يختلفون معهم مثل أولئك الذين هللوا لوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة. وأمام خشية الألمان من الأخبار الوهمية المنتشرة على شبكات التواصل، طرح حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خطة لتسهيل تسجيل مستخدمي فيسبوك ومواقع أخرى لشكاواهم عند مصادفتهم لأخبار كاذبة حتى يتم حذفها. وتتضمن الخطة أن يعرف ضحايا هذه الأخبار الكاذبة هوية أول من كتب الخبر حتى يكون لهم حق الرد. ونشر موقع برايت بارت الألماني مؤخرا خبرا يفيد أن عددا كبيرا من المهاجرين الشبان هاجموا الشرطة في مدينة دورتموند، وهم يهتفون الله أكبر، ويرفعون أعلام تنظيم الدولة الإسلامية، وأضرموا النار في أقدم كنيسة بألمانيا. في حين أن الحقيقة هي أن بعض الرجال كانوا يستخدمون الألعاب النارية للاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية. وواجه فيسبوك بدوره جملة من الانتقادات في برلين جراء خطاب الكراهية العنصري على آخر الأخبار (نيوز فيد) على حسابات المستخدمين، ما دفع الموقع إلى طرح تقنية جديدة لتصفية الأخبار في ألمانيا، بحيث تتم إحالة الأخبار التي يفيد المستخدم بأنها كاذبة إلى “كوريكتيف”، وهو جهاز مستقل عن فيسبوك معظم موظفيه من الشباب، الهدف منه مراقبة القصص المشبوهة، والبحث عن حجم اللايكات أو المشاركات التي حققتها. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي أن ألمانيا تقود حملة ضد الأخبار الوهمية، وكان لها حديث مع أحد ضحايا هذه الأخبار الكاذبة أنس مودماني، لاجئ سوري (19 عاما)، كان التقط صورة سيلفي مع ميركل عند زيارتها لمقر إقامته. وقد انتشرت الصورة مع ادعاء كاذب بأنه إرهابي، وهو الآن يقاضي فيسبوك. سياسة ميركل كانت شجاعة ومواقفها الإنسانية تجاه اللاجئين حصلت على إعجاب العالم والناس سواء في ألمانيا أو في أوروبا، ولكنها في نفس الوقت أثارت حفيظة العنصريين واليمين المتطرف في ألمانيا وأوروبا ما جعل ألمانيا في طليعة الدول التي تخوض حربا ضد الأخبار الزائفة. الإنترنت فضاء هائل من المعلومات بكل أنواعها، وأكبر قاعدة للبيانات والمعلومات، فإن كانت الأخبار الكاذبة منتشرة فالحقائق أيضا موجودة، ومن الضروري عدم الاقتصار على مصادر معلومات قليله فهذا سيمنعنا من خوض نقاش عالمي بناء. وأضافت أن شبكة الإنترنت كانت دائما مكانا للتجريب والإبداع. وأن قوتها تنبع من مستخدميها. وأن كل فعل ضار على الشبكة العنكبوتية، تواجهه مساهمات إيجابية من عدد لا حصر له من المستخدمين الذين يسعون إلى التواصل مع بعضهم البعض، والتعبير عن أنفسهم، وتوسيع قاعدتهم من المعرفة المشتركة. وأوضحت أن الإنترنت أصبحت اليوم أوسع نطاقا وأكثر ارتباطا، وتتحرك بلا هوادة مقارنة بما كانت عليه في مطلع القرن، وأعطت مثالا على ذلك بأنه في العام الماضي وتحديدا في الهند، عندما تم تقديم مشروع قانون 2000 روبية الجديد، راجت أخبار وهمية بأن مشروع القانون مجهز بشريحة للمراقبة. ولكن تم في وقت لاحق فضح زيف هذا الخبر، بعد أن كان قد انتشار عبر منصة واتساب التي لديها 50 مليون مستخدم شهريا في الهند. وأشارت الصحيفة إلى أن مواقع الأخبار الزائفة بدأت تتطور بشكل ملحوظ، والكثير منها بات يمتلك نفس الشكل والتصميم الموجود في المواقع الصحافية المشروعة، وهي تعتمد عناوين مثيرة لاجتذاب القراء. ولا تشير هذه المواقع إلى مصادر أخبارها. وقالت إن موقع ويكيبيديا درس يقدمه بناة النظم الجديدة، حيث أنه ينتج كميات هائلة من المحتويات الدقيقة عن طريق نموذج مفتوح. ويمكن لأي شخص في العالم إضافة مواد إلى المواد الأساسية. كما يمكن لأي شخص أن يطعن في تلك المواد، وفتح باب المناقشة أمام محررين، بغض النظر عن ميولهم السياسية التي يلتزمون فيها بالتحقق والحياد. كما أن صفحات المناقشة لكل مادة من المواد، تفسح المجال لإبراز وجهات النظر المختلفة. وتؤكد الغارديان على أنه مع مرور الوقت، يمكن للناس أن يصبحوا أكثر توازنا وتصبح المعلومات أكثر موثوقية. وتوصلت دراسة أجرتها مؤخرا كلية هارفارد للأعمال إلى أنه في ظل وجود المزيد من التنقيحات، تضاءل منسوب التحيز والتناقض لدى صانعي المحتوى المتطوعين وأصبحوا أكثر ميلا إلى التخلي عن الانحياز. وتقترح خلق فضاءات للحوار المفتوح على الإنترنت لتقديم مجموعة متنوعة من وجهات النظر. شيماء رحومة
مشاركة :