المطبخ لم يعد مملكة النساء الطبخ يفقد مكانته في قلوب النساء بعد أن وجدن ضالتهن في إغراءات المأكولات الجاهزة، وأصبح الرجال خبراء في فتح معلبات الأطعمة، عوض مساعدة زوجاتهم في إعداد أطباق صحية وشهية. العربيمينة حمدي [نُشرفي2017/02/21، العدد: 10550، ص(21)] طعام على قارعة الطريق أقرب طريق لقلب الرجل لا يبدو أن الرئيس النيجيري محمد بخاري كان محقا حينما قال في أحد تصريحاته العام الماضي، إن "زوجتي مكانها المطبخ"، أو ربما هو محق في ما يتعلق بشأن بيته فقط، فالعديد من استطلاعات الرأي والدراسات المسحية، تؤكد أن النساء وخاصة العاملات، لم تعد تربطهن علاقة حميمية بالمطبخ الذي لطالما اعتبر في الماضي مملكتهن، وحرصت الأمهات على تعليم بناتهن فنون الطبخ، حتى يكن طاهيات بارعات، لإيمانهن الراسخ بأن أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته. ووجدت أغلب النساء اليوم، ضالتهن في الإغراءات المتعددة لأصناف وأنواع الأطعمة الجاهزة، والتي لم تعد تكلفهن مشقة الانتقال إلى المطعم أحيانا، بل بإمكانهن طلبها عبر الهاتف أو عبر الإنترنت من المطاعم التي تقدم خدمات توصيل الطعام إلى المنازل وبالمجان على مدار اليوم. وأشارت دراسة أجراها المعهد الوطني للاستهلاك بتونس إلى أن نسبة الإقبال على الأكلات الجاهزة والوجبات السريعة تصل في المجتمع التونسي إلى 43.7 بالمئة. وبينت الدراسة أن حوالي نصف الأشخاص الذين تم استجوابهم، أكدوا أنهم يتناولون الطعام خارج المنزل ست مرات في الأسبوع، والأمر ينسحب على الرجال والنساء على حد سواء. وهناك الكثير من الأطعمة السريعة، التي يولع بها الناس حول العالم، وتصحبها مبررات في كل مكان، فيما تتواصل تحذيرات خبراء الأغذية والأطباء من غياب الطعام الصحي على موائد الأسر، ومن التهافت الكبير على الوجبات ذات المحتوى الدهني والسكري المرتفع، المتوفرة بأسعار زهيدة. 43.7 بالمئة من التونسيين يتغذون على الأكلات الجاهزة والوجبات السريعة وكشفت دراسة أجراها معهد الدراسات الخارجية أن واحدًا من بين كل ثلاثة أشخاص حول العالم يعاني من السمنة، داعية الحكومات إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات للتأثير على النظام الغذائي لدى الشعوب. وأظهرت الدراسة أن مناطق شمال أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، شهدت زيادة كبيرة في نسب زيادة الوزن على قدم المساواة مع أوروبا لتبلغ 58 بالمئة. وأرجع الخبراء السبب الأساسي إلى البيئة الغذائية التي زاد فيها التهافت على الأطعمة الرخيصة، وعفا الزمن عن عادة الطهي في المنزل. وعلى الرغم من أن العديد من الأزواج في المجتمعات الحديثة يتجهون إلى القطع مع العادات المتوارثة في تحديد أدوار الذكور والإناث، عن طريق التشارك في عملية الطهي وفي القيام بالأعمال المنزلية، إلا أن هناك الكثيرين مازالوا متمسكين بفكرة أن الشؤون المنزلية من اختصاص النساء وحدهن. وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد إيبسوس الفرنسي، أن 91 بالمئة من الفرنسيين يرون أن المرأة مكانها البيت، وتأتي المجر في المرتبة الثانية بنسبة 66 بالمئة، ثم بريطانيا بنسبة 22 بالمئة، وهولندا بنسبة 20 بالمئة. ولكن خبرة النساء المتواضعة في الطبخ وفي الأعمال المنزلية، قد لا ترضي طموحات من يطالبون بتخليهن عن العمل والعودة إلى المنزل، فالطالبة حنان خزري عبرت في تصريحها لـ“العرب” عن شعورها بالنفور من المطبخ، مؤكدة أنه لا يحدوها أي فضول لتعلم فنون الطهي، مشيرة إلى أن أمها توفر عليها ما أسمته بمهمة “العناء”، قائلة “مادام الطعام متوفرا في السوق فلا تعب ولا مشقة بعد اليوم”. أما إيمان الركاح التي تعمل سائقة حافلة، فترى أنه من المفترض أن تكون علاقتها كامرأة بالمطبخ وطيدة، وخاصة لأنها أم ومسؤولة عن عائلة، ولكن نسق الحياة السريع وتعدد الأدوار الملقاة على عاتقها يجعلانها تعول كثيرا على الأطعمة الجاهزة في أغلب الوجبات، إلا أنها أحيانا تدخل المطبخ “مكرهة لا بطلة” من أجل إعداد بعض الأكلات الصحية لأسرتها، وهذا لا يعني من وجهة نظرها أنها لا تجيد الطبخ، بل هي على حد تعبيرها “طباخة بارعة وفنانة في تحضير الأكلات الشهية، التي يسيل لها اللعاب". إيمان الركاح: أحيانا أدخل المطبخ مكرهة لا بطلة من أجل إعداد بعض الأكلات فيما أكدت ألفة الحاضري التي تعمل بإحدى المغازات العامة، أن ساعات العمل الطويلة وضغوطه ترهقها وتصيبها أحيانا بالخمول، مما يضطرها إلى شراء الأكلات الجاهزة، ولكنها في أوقات الفراغ والإجازات تعد ما تحبّذ وتشتهي من الأطباق. ونفس المبرر قدمته الصحافية هاجر العيادي التي قالت إن العمل لا يترك لها متسعا من الوقت للطبخ، مما يجعلها تعتمد وبكثرة على الأكلات الجاهزة، إلا أنها أكدت أيضا أنها لم تنس أسرار الطبخ التي تعلمتها خلال سنوات الجامعة واضطرارها بسبب البعد عن عائلتها إلى إعداد وجباتها بنفسها، ولذلك فهي تجيد طهي العديد من الأطباق في المناسبات العائلية. ولكن الأمر مختلف بالنسبة إلى الصحافية ريم سوودي التي قالت “لم تكن علاقتي بالمطبخ وبكل ما يتعلق بشؤون المنزل جيدة على الإطلاق منذ كنت صغيرة، وحتى بعد أن كبرت وأصبحت طالبة في الجامعة، فرغم محاولات أمي العديدة لأن تحافظ على الرابط الجمعي بيني كامرأة وبين الطبخ، إلا أنني لم أحب يوما هذه المهمة التي يصر المجتمع على إلحاقها بالمرأة دون الرجل”. وأضافت “أجد نفسي في أغلب الأيام مضطرة لدخول المطبخ، لأن الاقتصار على الأكلات الجاهزة غير صحي وكلفته باهظة”. أما الصحافية سهام حمدي فعشقها للمطبخ يكاد يكون استثناء بين جميع النساء اللاتي استجوبتهن “العرب”، فقد أكدت أنها تهوى فن الطهي، وتسعى إلى الإبداع فيه، مشيرة إلى أنها تحاول دائما التنويع في أطباقها، فبالإضافة إلى ما تعلمته من أكلات تقليدية تونسية، فهي تحاول جاهدة إثراء خبرتها عن طريق مشاهدة القنوات التلفزية المختصة في الطبخ، والوصفات المعروضة على الإنترنت، وكل ذلك يجعلها تكسر الروتين الغذائي اليومي على حد تعبيرها. ولكن تظل المشكلة المشتركة بينها وبين أغلب النساء هي تعدد الأدوار والمهام التي يقمن بها يوميا، ولا يجدن بسببها خيارا آخر غير الأطعمة الجاهزة، التي يضطررن إليها في الأوقات التي لا يقوين فيها على الطهي بسبب إرهاق العمل وكثرة الأعباء المنزلية. وتحول ثقافة التمييز في الأدوار على أساس الجنس التي ما زالت سائدة، خصوصا في المجتمعات العربية دون مشاركة الأزواج في إعداد الطعام والأعمال المنزلية، وبسبب تعدد المسؤوليات الملقاة على عاتق الأمهات وعجزهن عن التوفيق بين جميع المهام، يحرم أفراد أسرهن في الغالب من الاستمتاع بطبق منزلي شهي وصحي، على الرغم من أن خيار تقاسم الأعباء المنزلية مع الزوجات لإتاحة الفرصة لهن للطبخ، أفضل بكثير من أن يظل الرجال خبراء فقط في انتقاد المرأة وفي فتح علب الأطعمة الجاهزة.
مشاركة :