الشهرة أعطت النساء المال وسلبتهن راحة البالالنساء النجمات يرسمن صورة زاهية عن المجالات الفنية التي اقتحمنها ويظهرن في عيون الجمهور على أنهن يمتلكن المال وكل مصادر السعادة، ولكن وراء الابتسامات التي يغدقنها على جماهيرهن هناك ثمن باهظ قدمنه يحتاج إلى أن يحكى عنه من قبلهن. العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/03/12، العدد: 10569، ص(20)]الفنان إنسان أو لا يكون لم يكن من السهل على أغلب النجمات تسلق سلم الشهرة، خاصة اللاتي يعشن في المجتمعات العربية التي مازالت تنظر إلى المرأة نظرة دونية وتعتبرها كائنا أدنى ولا بد من فرض الوصاية عليه، وتتشابك فيها الجوانب التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تحدد أين وماذا يجب على المرأة أن تعمل؟ ولسنوات طويلة أبقت القوانين الصارمة والتقاليد المحافظة المرأة خارج دائرة الأضواء، وحجبتها عن الأعين حتى لا تخرج من دائرة الظل ولا ترى أحدا أو يراها الناس، وإلى يومنا هذا مازالت الكثير من النساء يعشن خلف الأسوار العالية في صمت مطبق، وتسجّى أحلامهن ولا يجدن من يحكي عنهن من المهد إلى اللحد. وعلى الرغم من تحسن أوضاع المرأة في العديد من بلدان العالم في القرن الأخير، وبروز العديد من الأمثلة لنساء شهيرات وناجحات في مجالات مختلفة، فإن ذلك لم يغر المجتمع العربي ليساعد نساءه على ولوج عالم الغناء والمسرح والتلفزيون والسينما والرياضة، لأنه مازال يُنظر إليها في بعض الأوساط الاجتماعية على أنها من المحرمات. لكن لا شيء أوقف طموح النساء القويات وكسر شوكة تمردهن على الثقافة التمييزية ضد جنسهن، وحال دون تقدمهن نحو الصفوف الأمامية والوقوف في دائرة الأضواء. وترسم النساء النجمات اليوم صورة زاهية عن المجالات التي اقتحمنها، إما صدفة أو بإرادتهن، ويظهرن في عيون الجمهور على أنهن يتمتعن بأفضل ظروف الحياة ويمتلكن مصادر السعادة، إلا أن هناك ألما يعتصر قلوبهن ولا تبوح به الابتسامات التي يغدقنها على جماهيرهن، فوراء كل نجاح هناك ثمن باهظ قدمنه ويحتاج إلى أن يحكى عنه من قبلهن.سميحة أيوب: الشهرة تجعل الفنان مكبلا طوال الوقت وأكدت الممثلة البريطانية كيت وينسلت أنها كانت تتمنى الحصول على المزيد من الدعم لمساعدتها في التعامل مع ضغوط الشهرة. ووصفت الفنانة الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "القارئ" تجربتها في هوليوود بأنها "مجموعة من الصدمات واحدة تلو الأخرى". وفي تصريح لها لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، قالت وينسلت "ليس من السهل خوض هذا المستوى من الشهرة بسرعة". وأضافت "أتمنى لو كان لدي دعم أكبر في هذه الأيام، فالأمر صعب بالفعل. كنت أعيش في شقة صغيرة شمال لندن، وفجأة لم أعد أستطيع الذهاب لشراء زجاجة حليب بالقرب من بيتي". وتابعت "مع تغيّر كل شيء بين ليلة وضحاها، تمنيت لو كان هناك من يطلعني على ما سيحدث، كأشخاص مروا بنفس التجربة. الأمر صادم ويشبه ولادة 55 طفلا الواحد تلو الآخر!". وقال ماكس كليفورد، أبرز الوكلاء الإعلاميين للمشاهير في بريطانيا، إن "الناس يفترضون أن الشهرة والنجاح ليس وراءهما سوى الثراء والسعادة لكنني كشخص عمل مع المشاهير لمدة 45 عاما، أعرف أن الحال ليس كذلك". وأضاف "النجاح يصبح لديهم كالدواء الذي يضطرون لتناوله ويقلقون باستمرار من أن يفقدوه، ولذلك فإنهم يسعون ويسعون ويعملون ويكدون. ولا بد أن يكونوا قادرين على المنافسة في هذه المجالات وإلا فلن يتمكنوا من العمل". سلاح ذو حدين وصفت الفنانة المصرية سميحة أيوب الشهرة بأنها "سلاح ذو حدين"، فهي على المستوى الإيجابي تجعل الفنان رمزا يُحتفى به، ويظهر ذلك عندما يذهب إلى الأماكن العامة، حيث يلقى ترحيبا كبيرا من الجمهور ويحصل على أرقى الخدمات.لطيفة رأفت: الشهرة تكلف الفنان وقته وحياته الخاصة ولكن في مقابل ذلك الاحتفاء المبالغ قالت سيدة المسرح العربي لـ"العرب"، إن الشهرة سلبتها العديد من اللحظات الإنسانية الجميلة، بسبب انشغالها الدائم بأعمالها الفنية وعدم توفر الوقت لقضائه مع أسرتها والمقربين منها، مؤكدة أن الشهرة تجعل الفنان مقيّدا ومكبلا طوال الوقت. وشددت على أن الشهرة تجعل الفنان يراعي كل صغيرة وكبيرة فيما يخص مظهره، حتى لا يتعرض للانتقاد والسخرية من قبل الجمهور الذي ينظر إليه على أنه قدوة، مشيرة إلى أنها حصدت على مدار رحلتها الفنية الاحترام والتقدير، لكن في مقابل ذلك تأثرت جميع تفاصيل حياتها الشخصية. أما الممثلة التونسية ليلى الشابي، فترى أن الشهرة ليست مجرد هالة من التصفيق والتكريمات والنجاحات والأدوار البطولية والعائدات المالية. وعبرت عن ذلك قائلة "أنا شخصيا أعتقد أن الشهرة سلاح ذو حدين، فحين يصبح المرء مشهورا يودع خصوصيته ويصبح مراقبا ومحاسبا على كل خطوة يخطوها مهما كانت بسيطة، وتصبح حياته الشخصية محل تساؤلات من قبل الناس، ويدفع الفضول الكثيرين إلى محاولة معرفة كل صغيرة وكبيرة عنه، فتلاحقه الأسئلة في الأماكن العامة وتتجه إليه الأنظار أينما حل". وأضافت "الغريب أنني أحيانا لا أعرف أحدا ممن يلتفون حولي في الشارع وفي الأماكن العامة، ولكنهم حين يحيطون بي ويبادلونني الابتسامات والتحيات ويتصرفون معي بكل ود، ويطرحون علي مشاكلهم ويطلبون نصحي وإرشادي بخصوصها وكأنني طبيبة نفسية.. ينتابني شعور كبير بنشوة الشهرة، وبوجود أناس كثر يحبونني ويتقاسمون معي أفكاري ويشركونني في حياتهم". وأشارت الشابي في تصريحها لـ"العرب" إلى أن جمهورها لديه دراية موسعة بجميع الشخصيات التي جسدتها في المسلسلات التلفزيونية وفي السينما والمسرح، وكل هذا يحملها من وجهة نظرها مسؤولية أكبر، ويجعلها تشعر بالتوتر حول ما ستقدمه مستقبلا وأكثر انتقائية في اختيار أدوارها، لأنها ترغب دائما في تقديم الأفضل والأروع مما قدمته سابقا واشتهرت به. إلا أن الشيء الذي يقلقها، هو أنها لم تعد تعرف من المعجب بها كممثلة ومن يقدرها ويحبها لشخصها، وفي مقابل الشعبية الكبيرة التي حظيت بها والعدد الكبير من الناس الملتفين حولها، لم تعد تعرف أيضا ولا تفرّق الصديق من العدو؟حسيبة عمروش: أحيانا أشعر أن الشهرة عبء ثقيل علي وختمت حديثها قائلة "أهم شيء اكتسبته من الشهرة هو حب الناس الذي لا يقدر بثمن، وثقتهم الكبيرة، وكم سررت حين ذهبت إلى مهرجان كان والتقيت أناسا لا أعرفهم، ولكنهم يحبونني ومعجبون بدور أنيسة الذي جسدته في فيلم (الخشخاش) للمخرجة التونسية سلمى بكار، كما تلقيت رسالة من البرازيل من معجب يمتدح دوري في فيلم (غدوة نحرق) للمخرج محمد بن إسماعيل، وفي الحقيقة لا أعرف إلى حد الآن إن كان رجلا أو امرأة". راحة البال قالت المطربة الجزائرية حسيبة عمروش "يمكن للشهرة أن تسلط عليك الأضواء الإعلامية والفنية وتمنحك جمهورا وعشاقا، ولكنها في نفس الوقت تأخذ منك الكثير من الحرية الشخصية، فتصبح رهين أدبيات الشهرة التي تحرمك من الأوقات الجميلة برفقة العائلة، ومن الذهاب إلى الأماكن التي تحبها". وأضافت "أشعر في الكثير من الأحيان أنني محرومة من عدة أشياء شخصية، لها مكانتها الحميمية في قلبي، فبسبب الجمهور والفضوليين، لا أستطيع التحرك بحرية، ولا ممارسة هوايتي". وأشارت في تصريحها لـ"العرب" إلى أن الشهرة فرضت عليها نمطا حياتيا ومعيشيا معيّنا، وأصبحت تتحكم في أدق تفاصيل حياتها وشكلها ووزنها، وكل ذلك من وجهة نظرها تفرضه تقاليد التسويق الفني. واعتبرت عمروش أن الشهرة تمنح الفنان كل ما يحتاجه من المال والرفاهية والطقوس النخبوية، ولكنها لا تشعره براحة البال وبالحرية، مؤكدة أن ضغط الجمهور كان سببا في حرمانها من زيارة بعض الأحياء والتجول في الأزقة التي عاشت فيها أحلى لحظات طفولتها. واستطردت قائلة "أحيانا أشعر بأن الشهرة عبء ثقيل على كاهلي، فأتحين الفرص، أو أسرقها إن صح التعبير، لأزور مسقط رأسي والالتقاء بأقاربي وجيراني وأصدقاء الطفولة، لأن تغييري للأجواء في بعض الأحيان يشحن معنوياتي أكثر، ويعيدني بأكثر قوة إلى الوسط الفني، فأنا أؤمن بأن التوازن والاعتدال ضروري في الحياة، وخاصة في مجال الأضواء والنجومية والشهرة". فيما قالت المطربة المغربية لطيفة رأفت إن "الشهرة تكلف الفنان وقته وحياته الخاصة، وخاصة إذا كان جنسه امرأة، ففي الماضي كان من الصعب تقبل مطربة امرأة، وربما مازال ذلك ساريا إلى حد اليوم في بعض الأوساط الاجتماعية..".درصاف حمداني: المرأة الفنانة مطالبة دائما بأن تكون مثالية وأضافت "لقد واجهت في بداية دخولي عالم الغناء عراقيل كثيرة داخل المجتمع المغربي الذي لا يختلف كثيرا عن باقي المجتمعات العربية الأخرى، التي تكبّل المرأة بحزمة من الأعراف والتقاليد لتمنعها من الولوج إلى عالم الفن". وأوضحت رأفت لـ"العرب" أنها قدمت الكثير من التضحيات لتثبت جدارتها كفنانة وتشرف على الأغنية المغربية وتمثلها أحسن تمثيل خارج حدود وطنها. واستطردت "الشهرة جعلتني أعتز بمغربيتي، فلطالما كنت مبهورة بالقصر الملكي والطقوس المغربية التقليدية التي تربّيت عليها منذ صغري وفي الأعياد والحفلات، لذلك حاولت أنا والعديد من الفنانات المغربيات من بنات جيلي، مثل نعيمة سميح وحياة الإدريسي وعزيزة جلال وسعيدة فكري، التعبير عن كل هذه التقاليد الجميلة بالفن، وكنا بالفعل سفيرات للطرب والتراث المغربيين، وهذه في حد ذاتها مسؤولية كبيرة من مسؤوليات الشهرة". وختمت الفنانة المغربية قائلة "الشهرة بقدر ما تعطي الفنان المال وحب الجماهير، تحمّله مسؤوليات كبيرة ويجب أن يكون كفئا لها حتى لا يفقد موقعه في قلوب الناس وتنطفئ نجوميته". المعادلة الصعبة رجحت المطربة التونسية المقيمة في فرنسا درصاف حمداني في حديثها لـ"العرب" أن الشهرة ليست شرطا أساسيا لتواصل العمل الفني، مشيرة إلى أن الفنان أو الفنانة، كليهما يستطيع تحقيق ذاته الفنية حتى من دون أن يصل إلى الشهرة والأضواء. وقالت إن "المرأة عموما تمر بمراحل في حياتها الاجتماعية والاقتصادية تجعلها قرينة الوضعية التي تعيش فيها، فمثلا إن اختارت أن تتزوج وتنجب أطفالا، فهي مطالبة دائما بأن تكون مثالية، ويجب عليها دائما إرضاء أفراد أسرتها والمجتمع الذي تعيش فيه". وأضافت حمداني "زوجها يعتمد عليها في نجاحه ويطلب منها أن تكون مكملة له. والمرأة إذا أصبحت أمّا فمن واجبها أن تكون مشرفة على مسائل تخص أولادها من تربية وتعليم وعناية بالبيت..". وتابعت "الشهرة تفرض على المرأة أن تعطي من وقتها ومن وقت أسرتها، لأجل إرضاء شغف جمهورها والتواصل معه.. كالحضور في برامج تلفزيونية أو اللقاءات الصحافية وتلزمها بالعناية الدائمة بمظهرها، وعليها أيضا أن تراعي مواعيد عملها مع فريق إنتاج أو غيره..".ليلى الشابي: حين يصبح الفنان مشهورا يودع خصوصيته وأوضحت حمداني أن المرأة الفنانة، التي تريد تحقيق المعادلة الصعبة بين عملها وأسرتها وتطمح إلى النجاح في المجالين، تحتاج إلى قوة شخصية وإدارة محكمة لشؤون بيتها، وذلك على حد تعبيرها لا يتحقق إلا بدعم من أفراد أسرتها، وخاصة الزوج الذي من المفترض أن يكون متفهّما لطبيعة عملها ومعاضدا لها في جميع مهامها الفنية والمنزلية، مما يسهل على جميع أفراد عائلتها تسيير حياتهم اليومية بشكل طبيعي ومن دون مشاكل كبرى. وترى سامية قدري، الخبيرة المصرية في علم الاجتماع، أن الكثير من النساء العربيات حققن نجاحات باهرة في مجالات مختلفة، وأن الشهرة في مجالات التمثيل والغناء والإعلام والأدب والثقافة والسياسة، لم تعد تقتصر على جنس الرجال، كما كان في السابق. إلا أنها أشارت أيضا في تصريحها لـ"العرب" أن هناك ضريبة وثمنا يدفعان مقابل كل ذلك. وأوضحت قدري أن "الشهرة الواسعة قد تكون على حساب الحياة الاجتماعية والاستقرار الأسري والنفسي، وفي أحيان كثيرة تدفع الشهرة بعض النجمات إلى التخلي تماما عن فكرة الزواج باعتبارها تمثل بالنسبة إليهن عائقا أمام التقدم وإثبات الذات، مما يعني حرمانهن من تكوين أسرة وخسارة الدفء الاجتماعي الذي تحتاجه المرأة، وخاصة عند التقدم في العمر، وبعد أن تنحسر عنها الأضواء، عندها تسيطر عليها مشاعر الحسرة والندم على الفرص الضائعة وفناء العمر في اللهث وراء نجاح وشهرة وأحلام زائفة ومؤقتة، ولكن بعد فوات الأوان". وأضافت "نادرا ما استطاعت المرأة العربية أن تحقق المعادلة الصعبة، أي الجمع بين النجاح الكبير والشهرة الواسعة وبين النجاح في جوانب الحياة الأخرى، فالكثير من قصص النجاح لنساء عربيات شهيرات احتوت على مآس في ثنايا الشهرة العريضة، والتعاسة والشقاء أخذا أشكالا وصورا عدة سلبت منهن السعادة الحقيقية". فيما أكدت سامية الساعاتي الخبيرة في علم الاجتماع لـ”العرب” أن نساء كثيرات دفعن ثمنا باهظا للحصول على المكانة والمال، وبعضهن استخدمن أجسادهن كجسر للنجاح. وأشارت إلى أن "التنازلات الاضطرارية وسيلة غير شرعية لتبرير غاية تعتقد البعض منهن أنها مشروعة، ويصعب الحصول عليها بغير ذلك، فيقمن بمقايضة الجنس مقابل الحصول على مراميهن من المال الوفير أو من أجل تحقيق النجومية". واستدركت الساعاتي قائلة "لكن ليس بالضرورة أن تكون للشهرة ضريبة مؤلمة، فالكثير من النساء العربيات حققن شهرة وسعادة معا، ولم تسلبهن الشهرة حقوقهن الطبيعية في العيش المستقر والحياة الاجتماعية العادلة". صحافية تونسية مقيمة في لندن
مشاركة :