لا أحد من رؤساء الجمهورية الجزائرية أو من رؤساء الوزراء الجزائريين قد جعل من مسألة اعتراف فرنسا بجرائمها ضد الإنسانية في الجزائر عقيدة صلبة ومبدئية للدولة وموقفا تاريخيا مصيريا.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/10/06، العدد: 10773، ص(9)] لا تنحصر جرائم فرنسا في الجزائر في قتل مليون ونصف مليون مواطن جزائري فقط بل إنها تشمل نفي الآلاف من الجزائريين إلى القارات البعيدة، وتمتد إلى إبادة وحرق الملايين من الأشجار المثمرة فضلا عن تدمير الثروة المائية والحيوانية وتلويث الأرض بواسطة إجراء تجارب تفجير القنابل النووية وكذا استعمال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ضد المجاهدين الجزائريين وضد حتى الشعب الأعزل، وتحطيم مختلف العناصر المشكلة للهوية اللغوية والثقافية والروحية والتاريخية للشعب الجزائري. ففي إطار مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاعتراف رسميا بجرائم الحرب الاستعمارية الفرنسية سلطت هذا الأسبوع وسائل الإعلام الجزائرية الأضواء على تحرَك الجامعي الفرنسي أوليفيي لوكور غراند ميزوني الذي طالب الرئيس الفرنسي الحالي “بتجسيد وعوده التي أطلقها من الجزائر أثناء حملته الانتخابية الرئاسية بإدانة جرائم فرنسا في الجزائر وتقديم الاعتذار للجزائريين”، وفي هذا السياق نجد بعض الجزائريين يتساءلون؛ لماذا حل هذا الجامعي الفرنسي محل النظام الجزائري الذي لا يطلب بشكل جدي وحاسم من فرنسا أن تعترف صراحة بجرائمها ضد الإنسانية في الجزائر؟ وهل يعني تدخل هذا الجامعي الفرنسي أن بعض الفرنسيين قد أصبحوا في هذه الأيام العجاف أكثر جزائرية من قيادات النظام الجزائري الحاكم؟ لا شك أن الفرنسي لوكور غراند ميزوني لا يصدر مواقفه عن فراغ، بل هو يواصل استلهام الجزء المستنير من التراث السياسي والفكري الفرنسي اليساري الذي عودنا عليه الكثير من النجوم البارزين الكبار في ساحة الفكر والأدب الفرنسيين أثناء مرحلة التحرر الوطني الجزائري أمثال جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وغيرهما من المفكرين والأدباء الفرنسيين المشكلين لمجموعة 121 مفكرا وأديبا الذين وقعوا بيانا شهيرا رفضوا فيه الاحتلال الفرنسي للجزائر وساندوا حركة تحرر الشعب الجزائري. وهكذا نجد أن مطالبة بعض الشخصيات الفكرية أو السياسية الفرنسية بأن تكف فرنسا عن استعمارها وأن تعترف بجرائمها التي ارتكبتها طوال الحقبة الاستعمارية في الجزائر أكثر جدية وأقوى تأثيرا من الشعارات الظرفية التي رفعتها جهات جزائرية بشكل هلامي. ويلاحظ هنا أن لا أحد من رؤساء الجمهورية الجزائرية أو من رؤساء الوزراء الجزائريين قد جعل من مسألة اعتراف فرنسا بجرائمها ضد الإنسانية في الجزائر عقيدة صلبة ومبدئية للدولة وموقفا تاريخيا مصيريا، وشرطا على أساسه يتم تفعيل أو عدم تفعيل العلاقات الثنائية بين البلدين بل فقد استخدمت المطالبة بالاعتراف بجرائم الحرب كمجرد شعار فضفاض أمعن ولا يزال يمعن في رفعه المسؤولون الجزائريون المتنفذون في مختلف أجهزة الدولة وذلك للتغطية غالبا على فشلهم في إنجاز مهمتين أساسيتين هما؛ أولا فك الارتباط ببقايا التراث الاستعماري المتغلغل في نسيج المجتمع الجزائري الذي لم ينجز أي قطيعة مع الثقافة البدائية المنتجة للأزمات والتخلف. وثانيا بناء هوية الدولة الجزائرية العصرية ذات الخصوصية والاستقلالية على مستوى جميع المستويات الاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية والمعمارية والصناعية. وفي الواقع فإن معظم المسؤولين الجزائريين الذين تحكموا في مصير الجزائر على مدى سنوات الاستقلال أعادوا إنتاج السلوك الاستعماري ونفذوه مجددا في المجتمع الجزائري على نحو كرس التخلف البنيوي المفرخ للأزمات المعقدة. وهكذا صار ينبغي مطالبة النظام الجزائري بأن يعترف أيضا بجرائمه المادية والمعنوية الكثيرة التي ارتكبها منذ الاستقلال إلى اليوم، والتي تتمثل في التخلي عن مبادئ حركة التحرر الوطني الجزائري ومثلها العليا، وفي تكريس الحكم الفردي والشللي، وفي توريط الجزائر في العشرية الدموية التي قتل فيها عشرات الآلاف من الأبرياء حيث لم يعلن إلى يومنا هذا عن أسماء المجرمين الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي البشع، وفي فرض التخلف الاجتماعي والأخلاقي والسياسي على المواطنين، وفي تحطيم المنظومة التعليمية، وفي إهدار ثروة الجزائريين الأمر الذي فرض الفقر على أغلبية المواطنين والمواطنات. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :