نمطية الانتخابات الجزائرية بكل أنواعها لم تحدث قطيعة حاسمة مع ميراث الذهنية الأحادية التي تكرست في ظل الحزب الواحد.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/05/25، العدد: 10643، ص(9)] من الخطأ القول إن الخارطة السياسية الجزائرية ستتغير بعد الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا في الجزائر وانتهت طقوسها الثلاثاء الماضي بتنصيب العضو القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني السيد السعيد بوحجة رئيسا للبرلمان الجزائري، والذي حلَ محل رئيسه السابق محمد العربي ولد خليفة، العضو القيادي أيضا في الحزب نفسه. وفي الواقع فإن هذه الخارطة بقيت تعيد إنتاج نفسها نمطيا على مدى سنوات طويلة، حيث لم يحدث فيها أي تحول جوهري منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، بل إنها لا تزال تمثل استمرارا للسيطرة التي انفرد من قبل ولا يزال ينفرد بها الآن النظام الجزائري الحاكم وترسانة أحزابه على جميع مفاصل مؤسسات وأجهزة الدولة السياسية والدستورية والمدنية والعسكرية والتشريعية والتنفيذية. وفي مثل هذا المناخ القديم – الجديد وجدت أحزاب المعارضة الجزائرية نفسها خارج عتبة ملعب الوجود السياسي على نحو مكرر، الأمر الذي سيعمق أكثر ظاهرة الحكم الأحادي في الجزائر على مدى سنوات طويلة قادمة. لا شك أن استمرار بقاء حزبي السلطة، وهما حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي بشكل خاص، على رأسي المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) ومجلس الأمة أمر يعني بلا لفَ أو دوران أن النظام الجزائري غير معنيّ بالبناء التدريجي لثقافة التعددية الحزبية التي اضطر إلى اختراعها في ثمانينات القرن الماضي لتكون له واجهة ناعمة وبقصد تلميع صورته، وفضلا عن ذلك فإن تقليد تداول الحكم الذي تعمل به الديمقراطيات المعاصرة ليس بندا من بنود برنامجه. وفي الحقيقة فإن هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة قد كشفت أيضا عن ظاهرة جد سلبية وتتلخص في أن النظام الجزائري لم يستفد إطلاقا من تجارب الماضي المريرة التي أدت إلى تفجير الأحداث العنيفة طوال فترة العشرية الدموية، وفي مقدمة هذه التجارب تجربة حكم الرجل الواحد بقناع الحزب الواحد التي لعبت دورا مفصليا في تكريس الدكتاتورية، وتغييب حقوق الإنسان، وشلَ التعددية اللغوية والثقافية التي تميّز بنية المجتمع الجزائري. وقد أدى كل هذا إلى الإخفاق في تحديث المجتمع الجزائري وإخراجه من التخلف البنيوي في مختلف مجالات أشكال التنمية المادية والروحية والفكرية والأخلاقية. من الملاحظ أن نمطية الانتخابات الجزائرية بكل أنواعها لم تحدث قطيعة حاسمة مع ميراث الذهنية الأحادية التي تكرّست في ظل الحزب الواحد. ففي هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة ظهرت إلى السطح عدة ظواهر سلبية جدا منها تشظي الشرائح السياسية تنظيمات وأفرادا، وفقدانها للوعي السياسي النقدي. أليس من السذاجة أو من الغباء السياسي أن تلجأ الأحزاب المعارضة التي تملك كمشة صغيرة من النواب في البرلمان الجديد إلى ترشيح هذا النائب أو ذاك لمنافسة السعيد بوحجة مرشح حزبي السلطة اللذين يملكان الأغلبية المطلقة من النواب حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، فضلا عن أحزاب السلطة الأخرى الأقل شأنا، علما وأن المعارضة الجزائرية تعرف مسبقا أن مرشحيها ساقطون أصلا جراء عدم امتلاكها للأغلبية البرلمانية. ثم أليس مثل هذا الفعل الساذج يمثل إضفاء للمصداقية على برلمان السلطة ومرشحها المتمثل في السعيد بوحجة. في هذه الانتخابات طفا إلى السطح أيضا انقسام المجتمع الجزائري ولجوء النسبة الكبرى من المواطنين والمواطنات إلى رفض المشاركة في الانتخابات كشكل من أشكال سحب الثقة من السلطة ومن الدائرين في فلكها من أحزاب وتشكيلات سياسية ليست لها أي صلة بالجزائر العميقة وبمشكلات الأغلبية الفقيرة والمهمّشة. لا شك في أن النسبة المئوية التي صوَتت في الانتخابات التشريعية الأخيرة لا تمثل من حيث التعداد البشري حتى نصف الوعاء الانتخابي للشعب الجزائري، مما يعني أن أغلبية المواطنين والمواطنات غير مقتنعة بجدوى التصويت وبالواقع السياسي جملة وتفصيلا، كما أنه يعني أن الانتخابات غير مكتملة الشرعية والمصداقية. النظام الجزائري لا يقدر حجم الغضب الشعبي المنتشر في المدن والأرياف جراء تدهور مستوى الدخل الفردي والعائلي وغياب الأمن الاجتماعي وبسبب فشل المنظومة التعليمية في إنتاج المعرفة والعلم والكفاءات القادرة على النهوض بمستوى الإنسان الجزائري، فضلا عن انتشار ظواهر أخلاقية غريبة عن تقاليد الشعب الجزائري، بدءا من عدم احترام المسؤولين لقوانين الدولة ولحقوق الإنسان، فضلا عن عبثهم بالمؤسسات العمومية، وانتهاء بنهم أموال الشعب وثروته. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :