لا يزال باب الأجور والمرتبات في الموازنة العامة، يمثل هاجساً ماليا «ثقيلاً» يؤرّق مسؤولي الدولة كافة، وتحديداً أولئك المعنيين بملف الإصلاح والتقشف وضبط النفقات.وفي متابعة أجرتها «الراي» لرصد التضخم الهائل في هذا الباب، تبين أرقام الحساب الختامي عن العام المالي (2010 /2011) أن بند المرتبات بلغ نحو 3.4 مليار دينار، فيما قفز البند نفسه بشكل «جنوني» خلال الموازنة التقديرية للعام المالي (2017 /2018) إلى نحو 10.7 مليار دينار.وتوضح الأرقام أن بند المرتبات وحده، رفع مصروفات الدولة خلال 7 سنوات بنسبة تصل إلى نحو 214 في المئة، بما قيمته 7.3 مليار دينار، وهو ما يلقي بظلاله على سياسات الميزانية وسياسات التوظيف على حد سواء.وفي حين تتواصل معدلات الزيادة في البند المذكور عاماً تلو الآخر، نتيجة الاستمرار بسياسات التوظيف الحكومي ذاتها، يؤكد مصدر حكومي مُطلع ارتفاع بند الأجور والمرتبات في الميزانية التقديرية للعام المالي المقبل (2017 /2018) بقيمة 324.6 مليون دينار (أكثر من مليار دولار)، لافتاً إلى أن هذه الزيادة تتركز في قيمة العلاوات السنوية، والترقيات للموظفين، إلى جانب الاعتماد التكميلي للتعيينات.ويكشف المصدر في هذا السياق أن الميزانية الجديدة للعام (2017 /2018) تتضمن تعيين ما يزيد على 15 ألف شخص من خلال الاعتماد التكميلي، وهو بند مركزي لدى وزارة المالية، مبيناً أن بند المرتبات، وما في حكمها سيبتلع نحو 54 في المئة من إجمالي مصروفات الموازنة التقديرية للعام المالي المقبل.وبينما تؤكد هذه المعلومات والأرقام أن سياسات التوظيف الحكومي مستمرة بالنسق نفسه، يشير هذا الأمر بحسب ما يرى خبراء بشكل تلقائي إلى استمرار حالة الارتفاع في باب الأجور والمرتبات خلال الأعوام القليلة المقبلة من دون إمكانية السيطرة عليها، إذ إن السيطرة على التضخم في بند الرواتب يمر من باب ضبط التوظيف.ومن جهته، أشار الخبير الإداري، هاني المير، إلى أن السياسات الحكومية هي العامل الأول في زيادة إقبال المواطنين على التوظيف في القطاع الحكومي على حساب القطاع الخاص، وهو ما يرفع من فاتورة المرتبات في الموازنة العامة بصورة مستمرة كل عام.وأوضح المير في تصريح لـ «الراي» أن ما يتمتع به الموظفون الحكوميون من أريحية في العمل، بالإضافة إلى مرتبات مضمونة وغير مرهونة بالإنجاز المهني، وكذلك العلاوات الدورية والترقيات، ناهيك عن الأمان الوظيفي غير المرهون بمستوى أداء معين، هو ما يزيد من إقبال المواطنين على العمل في الحكومة، ويرفع من معدلات العمالة الوطنية الزائدة والتي تعتبر «بطالة مقنعة».ولفت إلى أن الحكومة بحاجة لتغيير سياساتها بشأن مميزات وظائفها، بما يساعد على دفع العمالة الوطنية نحو القطاع الخاص، وهو ما سيخفف من قيمة الفاتورة المتزايدة التي تدفعها الدولة كل عام على الأجور والمرتبات، وذلك بما يتناسب مع سياساتها الحالية المتمثلة في ترشيد الإنفاق.وأشار إلى ضرورة أن تُثري الحكومة عوامل الجذب في القطاع الخاص عبر رفع قيمة دعم العمالة الوطنية، وتكويت وظائف بعينها، ناهيك عن برامج الحماية المهنية، والتي من شأنها أن ترفع من معدلات الإنجاز لدى المواطنين في القطاع الخاص عبر تأهيلهم من خلال إلزام المؤسسات الخاصة ببرامج تدريب وتطوير، ناهيك عن تفعيل معدلات الإنجاز الوظيفي في القطاع الحكومي كآلية استمرار في العمل، وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة بالكامل بالصورة التي تساعد على التوظيف الأمثل للمواطنين في الوظائف المتاحة، بما يحقق أعلى إنتاجية.وذكر المير أنه ووفقاً لبيانات «ديوان الخدمة المدنية» بنهاية العام 2016، فإنه يوجد نحو 20 ألف مواطن ومواطنة بانتظار التوظيف، إلا أن عدد من يحملون شهادات المرحلة المتوسطة، وما دون ذلك بلغ 10225 مواطناً ومواطنة، وهي فئات غير مؤهلة، وليس لديها أي مهارات ولا تصلح إلا للوظائف المساندة والخدمية.وذكر أن توظيف تلك الفئات حكومياً يُعد وسيلة غير مباشرة لتحسين وضعهم الاجتماعي عن طريق منحهم رواتب (بطالة مقنعة)، ما يشكّل عبئاً مزدوجاً يطول الجانبين المالي والإداري في الدولة، إلا أن المخيف في الأمر هو أن أعداد الراغبين بالتوظيف مستمرة بالتزايد، وهو ما لن يتحمله الهيكل الإداري أو المالي للدولة لفترة طويلة، ما يستدعي توجيه الكويتيين نحو القطاع الخاص بصورة عاجلة.وأكد المير حتمية وضرورة إنشاء نظام «شبكة الأمان الاجتماعي»، من أجل رعاية غير المؤهلين، ومنحهم رواتب مقابل جلوسهم في المنزل، مما يخفف الأعباء عن الأجهزة الحكومية، ويحسّن من أدائها، كما سيمتص أعداداً كبيرة من طوابيرالباحثين عن العمل، وكذلك العاملون بالوظائف الوهمية في القطاع الخاص.تجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي، أكد في تقارير سابقة ضرورة إعادة النظر في سياسات التوظيف الحكومي، ونظم الرواتب من قبل الخدمة المدنية، وذلك تماشيا مع الهدف العام والرامي إلى تحفيز الكويتيين للعمل في القطاع الخاص.
مشاركة :